لِعَدَمِ تَكَلُّفِهِمْ وَكَمَالِ تَأَلُّفِهِمْ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ لَهُ: أَنْتَ. دُونَ (أَنْتُمُ) الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى حُسْنِ الْآدَابِ فِي مَعْرِضِ الْخِطَابِ - لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى قَائِلِهِ الْعِتَابُ، وَتَكَلَّفَ الطِّيبِيُّ هُنَا فِي شَرْحِ الْكِتَابِ، وَأَوْرَدَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ، وَنَسَبَ قِلَّةَ الْأَدَبِ إِلَى الْأَصْحَابِ وَقَالَ عَلَى وَجْهِ الْإِطْنَابِ.
فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِ خِلَافُ ذَلِكَ تَوْقِيرًا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ قُلْتُ: لَعَلَّهُ صَدَرَ عَنْهُ لَا عَنْ قَصْدٍ أَوْ لَعَلَّهُ اسْتَغْرَبَ كَوْنَهُ عَلَى خِلَافِ مَا حُدِّثَ عَنْهُ وَاسْتَبْعَدَهُ، فَأَرَادَ تَحْقِيقَ ذَلِكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: مَا لَكَ إِلَخْ؟ فَسَمَّاهُ وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَكَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ: وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، فَإِنَّهُ حَالٌ مُقَرِّرَةٌ لِجِهَةِ الْإِشْكَالِ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي عَادَتِهِمْ يَفْعَلُهُ الْمُسْتَغْرِبُ الشَّيْءَ الْمُتَعَجِّبُ مِنْ وُقُوعِهِ مَعَ مَنِ اسْتَغْرَبَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي الْمُتَعَارَفَ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَدَبِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ كَانَ رُبَّمَا لَمَسَ لِحْيَتَهُ الشَّرِيفَةَ عِنْدَ مُفَاوَضَتِهِ مَعَهُ. . اهـ.
وَقَدْ شُوهِدَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ بَعْضَ أَجْلَافِ الْعَرَبِ يُمْسِكُ لِحْيَةَ شَرِيفِ مَكَّةَ وَيَقُولُ: أَنَا فِدَاكَ يَا حَسَنُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَعْلُهُ مُعَلَّقًا فِي إِصْبَعِهِ. (فَقَالَ: " مَا لَكَ؟ ") ، أَيْ: مَا شَأْنُكَ، وَأَيُّ غَرَضٍ لَكَ، أَوْ، أَيُّ شَيٍّ أَقْلَقَكَ وَأَزْعَجَكَ حَتَّى فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ (" يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ") : وَعِنْدَهُمُ التَّسْمِيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْخُصُوصِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَنْتَ مِنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ، وَلِذَا جَاءَ أَنَّهُ كَانَ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَفْقَهَ. (قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) ، أَيْ: حَدَّثَنِي النَّاسُ (أَنَّكَ قُلْتَ: " صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ ") : وَكَذَا هُنَا بِلَفْظِ: " عَلَى " (" وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا ") : وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَعْمَالَكَ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ وَطَرِيقِ الْأَفْضَلِ، فَهَلْ تَحْدِيثُهُمْ صَحِيحٌ وَلَهُ تَأْوِيلٌ صَرِيحٌ أَمْ لَا؟ (قَالَ: " أَجَلْ ") ، أَيْ: نَعَمِ الْحَدِيثُ ثَابِتٌ، أَوْ نَعَمْ قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ. (" وَلَكَنَّى لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ") : يَعْنِي هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِي أَنْ لَا يَنْقُصَ ثَوَابُ صَلَوَاتِي عَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَكُونُ مِنْ جَلَوَاتِي، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، قَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣] (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute