١٢٧٦ - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وَتْرِهِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
١٢٧٦ - (وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وَتْرِهِ) ، أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، قَالَ مِيرَكُ: وَفِي إِحْدَى رِوَايَاتِ النَّسَائِيِّ كَانَ يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَتَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ: (" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ ") ، أَيْ مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِ جَمَالِكَ (" مِنْ سَخَطِكَ ") ، أَيْ: مِنْ بَقِيَّةِ صِفَاتِ جَلَالِكَ (" وَبِمُعَافَاتِكَ ") : مِنْ أَفْعَالِ الْإِكْرَامِ وَالْإِنْعَامِ (" مِنْ عُقُوبَتِكَ ") : مِنْ أَفْعَالِ الْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ (" وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ") ، أَيْ: بِذَاتِكَ مِنْ آثَارِ صِفَاتِكَ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨] وَإِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: ٥٠] وَتَلْمِيحٌ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨] أَيِ: انْقَطِعْ إِلَيْهِ انْقِطَاعًا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تَغِيبَ عَمَّا سِوَاهُ فَتَفْنَى عَنْ وُجُودِكَ وَشُهُودِكَ وَتَبْقَى بِبَقَاهُ، وَلَعَلَّ هَذَا السِّرَّ الْمُشِيرَ إِلَى مَقَامِ الْفَرْدِيَّةِ اقْتَضَى أَنْ يَقْرَأَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الْوَتْرِيَّةِ. وَفِي اصْطِلَاحِ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ الْفِقْرَةُ الْأُولَى إِشَارَةٌ إِلَى تَوْحِيدِ الصِّفَاتِ، وَالثَّانِيَةُ إِلَى تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ، وَالثَّالِثَةُ إِلَى تَوْحِيدِ الذَّاتِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْأَنْسَبُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَقْدِيمُ الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى، وَإِنْ كَانَتِ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ اللَّفْظِيَّ لَهُ تَأْثِيرٌ بَلِيغٌ فِي التَّنَاسُبِ الْمَعْنَوِيِّ، وَقَدْ تُوَجَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِأَنَّ تَحَقُّقَ الْأَفْعَالِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ الصِّفَاتِ، فَهُمَا أَصْلٌ وَفَرْعٌ، وَتَقْدِيمُ الْأَصْلِ أَصْلٌ، وَإِنَّمَا قُدِّمَا عَلَى التَّوْحِيدِ الذَّاتِيِّ لِتَحَقُّقِهِمَا فِي الْخَارِجِ قَبْلَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَسْرَارِهِ وَأَخْبَارِ سَيِّدِ أَحْرَارِهِ. (" لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ") ، أَيْ: لَا أُطِيقُهُ وَلَا أَبْلُغُهُ حَصْرًا وَعَدَدًا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ " سُبْحَانَكَ " قَبْلَ " لَا أُحْصِي " وَلَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ. (" أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ") ، أَيْ: ذَاتِكَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَعْنَى الْحَدِيثِ الِاسْتِغْفَارُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي بُلُوغِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّ ذَاتِهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute