للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خِطَابًا عَامًا عَدْلَ عَنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ الِاخْتِصَاصُ بِالصَّحَابَةِ، أَيْ: دَفْنُهَا صَدَقَةٌ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (وَالشَّيْءُ) : بِالرَّفْعِ، أَيِ الْمُؤْذِي لِلْمَارَّةِ مِنْ شَوْكٍ أَوْ حَجَرٍ (تُنَحِّيهِ) : بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: تُبْعِدُهُ (عَنِ الطَّرِيقِ) ، أَيْ: تَنْحِيَةُ ذَلِكَ صَدَقَةٌ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ يَدْفِنُ النُّخَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى الْخِطَابِ الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِ هَذِهِ الْخِلَالِ، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يُخَاطَبَ بِخِطَابٍ يَنْبَغِي أَنْ يَهْتَمَّ بِهَا. وَرَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ النُّخَامَةُ مِنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ دَفْنَهَا حِينَئِذٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، كَمَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَثَّ عَلَيْهِ، أَمَّا نُخَامَتُهُ هُوَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَفْنُهَا ; لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ حَرَامًا بِفِعْلِهَا، فَلَزِمَهُ قَطْعُهُ بِدَفْنِهَا الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ كَفَّارَةً لِذَلِكَ اهـ.

وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّدَقَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً، أَمَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ، وَقَدْ أُقِيمَا مَقَامَ الصَّدَقَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ) ، أَيْ: شَيْئًا مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا يَبْلُغُ عَدَدَ الثَّلَاثِمِائَةِ وَالسِّتِّينَ (فَرَكْعَتَا الضُّحَى) ، أَيْ: صَلَاتُهُ (تُجْزِئُكَ) ، أَيْ: تَكْفِيكَ عَنْ جَمِيعِهَا، وَأَفْرَدَ الْخَبَرَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، أَيْ: فَصَلَاةُ الضُّحَى تُجْزِئُكَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، قَالَ مِيرَكُ: وَفِي سَنَدِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَقَوَّاهُ غَيْرُهُ اهـ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّهُ خَلَقَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَفْصِلًا، فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ، وَحَمِدَ اللَّهَ، وَهَلَّلَ اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً، أَوْ عَظْمًا، أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ» "، أَيْ: أَبْعَدَهَا.

قُلْتُ:

وَكَمْ لِلَّهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيِّ ... يَدِقُّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمٍ ذَكِيِّ

وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِابْنِ آدَمَ الْمُلُوحَةَ فِي الْعَيْنَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا شَحْمَتَانِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَذَابَتَا، وَجَعَلَ الْمَرَارَةَ فِي الْأُذُنَيْنِ حِجَابًا مِنَ الدَّوَابِّ، مَا دَخَلَتِ الرَّأْسَ دَابَّةٌ إِلَّا الْتَمَسَتِ الْوُصُولَ إِلَى الدِّمَاغِ، فَإِذَا ذَاقَتِ الْمَرَارَةَ الْتَمَسَتِ الْخُرُوجَ، وَجَعَلَ الْحَرَارَةَ فِي الْمَنْخَرَيْنِ لِيَسْتَنْشِقَ بِهَا الرِّيحَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ ; لَأَنْتَنَ الدِّمَاغُ، وَجَعَلَ الْعُذُوبَةَ فِي الشَّفَتَيْنِ يَجِدُ بِهَا طَعْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَيَسْمَعُ النَّاسُ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ» ". ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي عِلْمِ التَّشْرِيحِ مِنَ الْعُلُومِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>