لِلرُّتْبَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحِكْمَةُ ثُمَّ أَنَّ فِي الْحُصُولِ بَعْدَ السُّؤَالِ نَوْعُ تَرَاخٍ غَالِبًا اهـ. وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ; إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَصْحُوبًا بِالْبَرَكَةِ مِنْ أَوَّلِ الْوَهْلَةِ كَانَ مُضْمَحِلًّا، نَعَمْ ظُهُورُ الْبَرَكَةِ قَدْ يَكُونُ مُتَرَاخِيًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ مَا قَالَ فِي الْخَارِجِ مَثَلًا، فَهُوَ لَا يُنَاسِبُ مَقَامَ الطَّلَبِ وَالدُّعَاءِ أَصْلًا.
(وَإِنَّ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ) ، أَيْ: الْمَذْكُورَ أَوِ الْمُضْمَرَ، فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ (شَرٌّ لِي) ، أَيْ: غَيْرُ صَالِحٍ (فِي دِينِي، وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي) ، أَيْ: مَعَادِي (أَوْ قَالَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَلُ مَا تَقَدَّمَ، أَوْ قَالَ الْمُسْتَخِيرُ بَدَلَهُ (فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ) : " فَأَوْ " عَلَى الْأَوَّلِ لِلشَّكِّ وَعَلَى الثَّانِي لِلتَّخْيِيرِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَمَا قِيلَ: وَإِنْ جَمَعَ بِأَنْ حَذَفَ، قَالَ: لِيَكُونَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ فَلَا بَأْسَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرْوِيَّ فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الِاسْتِخَارَةِ انْحَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ. (فَاصْرِفْهُ عَنِّي) ، أَيْ: بِالْبُعْدِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَبِعَدَمِ إِعْطَاءِ الْقُدْرَةِ لِي عَلَيْهِ وَبِالتَّعْوِيقِ وَالتَّعْسِيرِ فِيهِ. (وَاصْرِفْنِي عَنْهُ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: فَاصْرِفْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَصْرُوفًا عَنْهُ إِلَّا وَيَكُونُ هُوَ مَصْرُوفًا عَنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَاصْرِفْهُ عَنِّي لَا تَقْدِرْنِي عَلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ: اصْرِفْنِي عَنْهُ اصْرِفْ خَاطِرِي عَنْهُ، حَتَّى لَا يَكُونَ سَبَبَ اشْتِغَالِ الْبَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ.
(وَاقَدِرْ لِيَ الْخَيْرَ) ، أَيْ: يَسِّرْهُ لِي وَاجْعَلْهُ مَقْدُورًا لِفِعْلِي. (حَيْثُ كَانَ) ، أَيِ: الْخَيْرُ مِنْ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: حَيْثُ كُنْتُ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ: وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا فَوَفِّقْنِي لِلْخَيْرِ حَيْثُ كَانَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: " وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا لِي فَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كَانَ "، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: "، أَيْنَمَا كَانَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ". (ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ) ، أَيْ: بِالْخَيْرِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: بِقَضَائِكَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيِ اجْعَلْنِي رَاضِيًا بِخَيْرِكَ الْمَقْدُورِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا قُدِّرَ لَهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ فَرَآهُ شَرًّا، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: " ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ " مِنَ التَّرْضِيَةِ، وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ رَاضِيًا وَأَرْضَيْتُ وَرَضِيتُ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى، قَالَ مِيرَكُ وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ. (قَالَ) ، أَيِ: الرَّاوِي وَهُوَ جَابِرٌ أَوْ غَيْرُهُ (وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) ، أَيْ: عِنْدَ قَوْلِهِ هَذَا الْأَمْرِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ إِمَّا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَقُلْ، أَيْ: فَلْيَقُلْ هَذَا مُسَمِّيًا، أَوْ عَطْفٌ عَلَى لِيَقُلْ عَلَى التَّأْوِيلِ ; لِأَنَّهُ أَيْ: يُسَمَّى فِي مَعْنَى الْأَمْرِ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ لَفْظِ النُّبُوَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الْأُصُولُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهَا، وَأَيْضًا لَا يُشْتَرَطُ فِي إِبْرَازِ الْأَمْرِ وَتَعْيِينِهِ التَّسْمِيَةُ وَالْإِظْهَارُ، بَلْ يَكْفِي فِي تَبْيِينِهِ النِّيَّةُ وَالْإِضْمَارُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَسْرَارِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَلْتُ: وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ: فَإِنْ كَانَ زَوَاجًا فَلْيَكْتُمُ الْخِطْبَةَ، أَيْ: بِالْكَسْرِ، ثُمَّ لْيَتَوَضَّأْ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ لْيُصَلِّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ لْيَحْمَدِ اللَّهَ وَيُمَجِّدْهُ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعَلُّمُ وَلَا أَعْلَمَ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَإِنْ رَأَيْتَ، أَيْ عَلِمْتَ أَنَّ فِي فُلَانَةٍ وَيُسَمِّيهَا، أَيْ يَذْكُرُهَا بِاسْمِهَا، أَيْ: فِي لِسَانِهِ أَوْ قَلْبِهِ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي فَاقْدُرْهَا لِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا خَيْرًا لِي مِنْهَا فِي دِينِي وَآخِرَتِي فَاقْدُرْهَا لِي اهـ.
وَفِي تَرْكِ الدُّنْيَا فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ نُكْتَةٌ لَا تَخْفَى، وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ وَلَفْظُهُ: " «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ كَثْرَةُ اسْتِخَارَتِهِ اللَّهَ وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ وَسُخْطُهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ» "، وَلَفْظُ الْحَاكِمِ: " مِنْ «سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ كَثْرَةُ اسْتِخَارَتِهِ اللَّهَ، وَمِنْ شِقْوَتِهِ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ» "، وَفِي الصِّحَاحِ: الشِّقْوَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ لُغَةً الشَّقَاوَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ، وَلَا عَالٍ مَنِ اقْتَصَدَ» ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قِيلَ: وَيَمْضِي بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ لِمَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ انْشِرَاحًا خَالِيًا عَنْ هَوَى النَّفْسِ، فَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ لِشَيْءٍ، فَالَّذِي يُظْهِرُ أَنَّهُ يُكَرِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ الْخَيْرُ، قِيلَ: إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَجَلَةً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَاخْتَرْ لِي وَاجْعَلْ لِيَ الْخَيَرَةَ بِفَتْحِ الْيَاءِ فِيهِ، أَوِ اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي، وَلَا تَكِلُنِي إِلَى اخْتِيَارِي، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ هَذِهِ الِاسْتِخَارَةُ الْمَنْظُومَةُ.
يَا خَائِرًا لِعَبِيدِهِ لَا تَتْرُكَّنَ أَحَدًا سُدَى خِرْ لِي إِلَيْكَ طَرِيقَةً بِيَدَيْكَ أَسْبَابُ الْهُدَى وَمِنَ الدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِصَالِحِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute