وَخَتَمَ الثَّنَاءَ بِمَا هُوَ مِنْ مَجَامِعِهِ، بَلْ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ صِيَغِ الْحَمْدِ لِافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِهِ إِشَارَةً إِلَى التَّفَاؤُلِ بِزَوَالِ النِّقْمَةِ وَحُصُولِ النِّعْمَةِ، وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ حَامِدٌ لَهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرَاضٍ عَنْهُ بِكُلِّ فِعَالٍ. (أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ: أَسْبَابَهَا، وَمَا فِي نُسْخَةِ جَلَالٍ مِنْ فَتْحِ الْجِيمِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: جَمْعُ مُوجِبَةٍ وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْمُوجِبَةُ لِقَائِلِهَا الْجَنَّةَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالصِّفَاتَ الَّتِي تَحْصُلُ رَحْمَتُكَ بِسَبَبِهَا. (وَعَزَائِمَ مغْفِرَتِكَ) ، أَيْ: مُؤَكِّدَاتِهَا.
قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أَعْمَالًا تَتَعَزَّمُ وَتَتَأَكَّدُ بِهَا مَغْفِرَتُكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: جَمْعُ عَزِيمَةٍ وَهِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي يَعْزِمُهَا الرَّجُلُ، يَعْنِي الْخِصَالَ الَّتِي تَحْصُلُ مَغْفِرَتُكَ بِسَبَبِهَا، أَيْ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْطِيَ نَصِيبًا وَافِرًا مِنْهُمَا. (وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ) ، أَيْ: طَاعَةٍ وَعِبَادَةٍ فَإِنَّهُمَا غَنِيمَةٌ مَأْخُوذَةٌ بِغَلَبَةِ دَوَاعِي عَسْكَرِ الرُّوحِ عَلَى جُنْدِ النَّفْسِ، فَإِنَّ الْحَرْبَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّوَامِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى الْجِهَادَ الْأَكْبَرَ ; لِأَنَّ أَعْدَى عَدِوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ. (وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ) ، أَيْ: الْخَلَاصَ مِنْ كُلِّ مَا يَجْرَحُ دِينَ السَّالِكِ. (لَا تَدَعْ) ، أَيْ: لَا تَتْرُكْ (لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ) ، أَيْ: إِلَّا مَوْصُوفًا بِوَصْفِ الْغُفْرَانِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ وَفِيمَا يَلِيه مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ (وَلَا هَمًّا) ، أَيْ: غَمًّا (إِلَّا فَرَّجْتَهُ) : بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفُّ، أَيْ: أَزَلْتَهُ وَكَشَفْتَهُ (وَلَا حَاجَةً هِيَ) : تِلْكَ الْحَاجَةُ (لَكَ رِضًا) ، أَيْ: بِهَا، يَعْنِي مُرْضِيَةً (إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. نَقَلَهُ مِيرَكُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَنْدُبُ تَحَرِّي غَدَاةَ السَّبْتِ لِحَاجَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «مَنْ غَدَا يَوْمَ السَّبْتِ فِي طَلَبِ حَاجَةٍ يَحِلُّ طَلَبُهَا فَأَنَا ضَامِنٌ لِقَضَائِهَا» ". وَذَكَرَ «الْجَزَرِيُّ» فِي الْحِصْنِ: صَلَاةُ حِفْظِ الْقُرْآنِ تَخْصِيصًا مِنْ بَيْنِ حَاجَاتِ الْإِنْسَانِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُلْحِقَهَا بِهَا هُنَا، قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخَرِ فَلْيَقُمْ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ، وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَفِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَفِي أَوَّلِهَا، فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ يس، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَحم الدُّخَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْفَاتِحَةَ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْفَاتِحَةَ وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَلِيُحْسِنِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَلِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَيَسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَلِإِخْوَانِهِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ لْيَقُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ - أَيْ: لَا تُدْرَكْ - أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ - أَيْ: ذَاتِكَ - أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ، كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكِ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَسْتَعْمِلَ - وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَأَنْ تَغْسِلَ - بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا يُجَابُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute