تَقْدِيمِ الْيَوْمِ الْمَشْهُودِ مَعَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: ٣] إِشَارَةً إِلَى أَعَظْمِيَّةِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلِيَّتِهِ، أَوْ إِلَى أَكْثَرِيَّةِ جَمْعِيَّتِهِ فَتُشَابِهُ الْقِيَامَةَ بِالْجَمْعِيَّةِ وَالْهَيْئَةِ الْإِحْرَامِيَّةِ، فَكَأَنَّهَا قِيَامَةٌ صُغْرَى، وَهُمْ مَعْرُوضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ كَالْعَرْضَةِ الْكُبْرَى، وَلَعَلَّ نُكْتَةَ الْآيَةِ فِي تَقْدِيمِ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَشْهُودِ مُرَاعَاةُ الْفَوَاصِلِ كَالْأُخْدُودِ، أَوْ لِأَجْلِ تَقَدُّمِهِ غَالِبًا فِي الْوُجُودِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى عَظَّمَ شَأْنَهُ فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ، حَيْثُ أَقْسَمَ بِهِ، وَأَوْقَعَهُ وَاسِطَةَ الْعِقْدِ لِقِلَادَةِ الْيَوْمَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَنَكَّرَهُ تَفْخِيمًا، وَأَسْنَدَ إِلَيْهِ الشَّهَادَةَ مَجَازًا ; لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ فِيهِ نَحْوَ: نَهَارُهُ صَائِمٌ يَعْنِي: وَشَاهِدٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الشَّرِيفِ الْخَلَائِقُ لِتَحْصِيلِ السَّعَادَةِ الْكُبْرَى اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَالذَّاكِرِينَ، وَالدَّاعِينَ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ، كَمَا قِيلَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى: هُوَ الْحَامِدُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ. (وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ) : فِي الثَّانِي زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ لِلْأَوَّلِ (عَلَى يَوْمٍ) ، أَيْ عَلَى مَوْجُودِ يَوْمٍ وَسَاكِنِهِ، أَوْ فِي يَوْمٍ (أَفْضَلَ مِنْهُ) ، أَيْ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ) : مِنْ بَابِ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ، فَبِالْحَدِيثَيْنِ عُلِمَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَالْمُسْلِمَ وَاحِدٌ فِي الشَّرِيعَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦] . (يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ) : فِيهِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يُصَلِّي مَعَ زِيَادَةِ التَّقْيِيدِ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ الدُّعَاءُ يَشْمَلُ الثَّنَاءَ، وَهُمَا يُكُونَانِ بِاللِّسَانِ، وَقَدْ يَقْتَصِرَانِ عَلَى الْجِنَانِ. (إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) ، أَيْ: بِنَوْعٍ مِنَ الْإِجَابَةِ (وَلَا يَسْتَعِيذُ) : لَفْظًا أَوْ قَلْبًا (مِنْ شَيْءٍ) ، أَيْ: مِنْ شَرِّ نَفْسٍ أَوْ شَيْطَانٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ أَوْ بَلِيَّةٍ أَوْ عَارٍ أَوْ نَارٍ. (إِلَّا أَعَاذَهُ) ، أَيْ: أَجَارَهُ (مِنْهُ) : بِقِسْمٍ مِنَ الْإِعَادَةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ، إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، وَهُوَ) ، أَيْ مُوسَى (يُضَعَّفُ) : أَقُولُ: لَكِنْ يُقَوِّيهِ أَحَادِيثُ أُخَرُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَغَيْرُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute