٧١ - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ يَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلَتُ كَذَا، وَكَذَا فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكَتُهُ حَتَّى فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نَعَمْ أَنْتَ " قَالَ الْأَعْمَشُ: أَرَاهُ قَالَ: " فَيَلْتَزِمُهُ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٧١ - (وَعَنْ جَابِرٍ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ) أَيْ: سَرِيرَهُ (عَلَى الْمَاءِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى الْبَحْرِ، وَالصَّحِيحُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ تَمَرُّدِهِ، وَطُغْيَانِهِ وَضْعُ عَرْشِهِ عَلَى الْمَاءِ يَعْنِي جَعْلَهُ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرًا عَلَيْهِ اسْتِدْرَاجًا لِيَغْتَرَّ بِأَنَّ لَهُ عَرْشًا عَلَى هَيْئَةِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧] وَيَغُرُّ بَعْضَ السَّالِكِينَ الْجَاهِلِينَ بِاللَّهِ أَنَّهُ الرَّحْمَنُ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصُّوفِيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النَّفَحَاتِ الْأُنْسِيَّةِ فِي الْحَضَرَاتِ الْقُدْسِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ ابْنِ صَيَّادٍ حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (تَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ» ) ، وَقِيلَ: عَبَّرَ عَنِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْخَلْقِ، وَتَسَلُّطِهِ عَلَى إِضْلَالِهِمْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ (ثُمَّ يَبْعَثُ) أَيْ: يُرْسِلُ (سَرَايَاهُ) : جَمْعُ سَرِيَّةٍ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تُوَجَّهُ نَحْوَ الْعَدْوِ لِتَنَالَ مِنْهُ، وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمَائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ، وَسُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ، وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ السِّرِّيِّ، وَهُوَ النَّفِيسُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ سِرًّا وَرُدَّ بِأَنَّ لَامَهُ رَاءٌ، وَلَامَهَا يَاءٌ (يَفْتِنُونَ النَّاسَ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ التَّاءِ أَيْ: يُضِلُّونَهُمْ، أَوْ يَمْتَحِنُوهُمْ بِتَزْيِينِ الْمَعَاصِي إِلَيْهِمْ حَتَّى يَقَعُوا فِيهَا (فَأَدْنَاهُمْ) أَيْ: أَقْرَبَهُمْ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ إِبْلِيسَ (مَنْزِلَةً) : مَرْتَبَةً (أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً) أَيْ: أَكْبَرُهُمْ إِضْلَالًا، أَوْ أَشَدُّهُمُ ابْتِلَاءً (يَجِيءُ أَحَدُهُمْ) : جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِقَوْلِهِ: أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً (فَيَقُولُ) أَيْ: أَحَدُهُمْ (فَعَلْتُ كَذَا، وَكَذَا) أَيْ: أَمَرْتُ بِالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا (فَيَقُولُ) أَيْ: إِبْلِيسُ (مَا صَنَعْتَ شَيْئًا) أَيْ: أَمْرًا كَبِيرًا، أَوْ شَيْئًا مُعْتَدًّا بِهِ (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ (ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ) أَيْ: فَلَانًا (حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) : هَذَا، وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أَمْرًا مُبَاحًا، وَظَاهِرُهُ خَيْرٌ، وَلِذَا قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute