التَّشْدِيدُ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: أَيْ سَيُصَبِّحُكُمُ الْعَدُوُّ، وَسَيُمَسُّونَكُمْ يَعْنِي سَيَأْتِيكُمْ وَقْتَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ صَبَّحَكُمُ الْعَدُوُّ كَذَا أَمْسَاكُمْ، وَالْمُرَادُ الْإِنْذَارُ بِإِغَارَةِ الْجَيْشِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَيَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِـ " مُنْذِرُ جَيْشٍ "، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنِ اسْمِ كَانَ، وَالْعَامِلُ مَعْنَى التَّشْبِيهِ، فَالْقَائِلُ إِذًا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ: الثَّانِي عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ " كَأَنَّهُ " اهـ. الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ; إِذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فِي الْمِنْبَرِ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّحَابِيِّ لَفْظَ (وَيَقُولُ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إِشَارَةٍ إِلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُنْذِرِ: ثُمَّ قَبْلَهُ ثُمَّ الصَّحِيحُ، أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى احْمَرَّتْ ; لِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِي يَقُولُ الرَّفْعُ، فَارْتَفَعَ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَدْخُولِ حَتَّى. (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ) بِالرَّفْعِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَهُوَ أَبْلَغُ، وَإِنْ كَانَ النَّصْبُ أَظْهَرُ مَعْنًى. قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ بِنَصْبِهَا وَرَفْعِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ، وَبِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ، أَيْ: يَعْنِي إِلَيْكُمْ قَرِيبًا مِنَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أُكِّدَ الضَّمِيرُ الْمُنْفَصِلُ لِيَصِحَّ الْعَطْفُ (كَهَاتَيْنِ) يَعْنِي أَنَّهَا سَتَأْتِيكُمْ بَغْتَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ كَإِتْيَانِ الْجَيْشِ بَغْتَةً فِي الْوَقْتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (وَيَقْرُنُ) بِضَمِّ الرَّاءِ، وَفِي لُغَةٍ بِكَسْرِهَا، كَذَا فِي الْمَصَابِيحِ (بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَجُوِّزَ الرَّفْعُ أَيِ: الْمُسَبِّحَةِ (وَالْوُسْطَى) قَالَ الطِّيبِيُّ: مَثَّلَ حَالَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ، وَإِنْذَارَهُ الْقَوْمَ بِمَجِيءِ الْقِيَامَةِ، وَقُرْبِ وُقُوعِهَا، وَتَهَالُكِ النَّاسِ فِيمَا يُرْدِيهِمْ أَيْ: يُهْلِكُهُمْ - بِحَالِ مَنْ يُنْذِرُ قَوْمَهُ عَنْ غَفْلَتِهِمْ بِجَيْشٍ قَرِيبٍ مِنْهُمْ، يَقْصِدُ الْإِحَاطَةَ بِهِمْ بَغْتَةً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَكَمَا أَنَّ الْمُنْذِرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، وَتَحْمَرُّ عَيْنَاهُ، وَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ عَلَى تَغَافُلِهِمْ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤] صَعِدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي بُطُونَ قُرَيْشٍ، وَأَعْمَامَهُ، وَعَمَّاتِهِ، وَأَوْلَادَهُ، وَيَقُولُ: لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، كَذَلِكَ حَالُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْإِنْذَارِ، وَإِلَى قُرْبِ الْمَجِيءِ أَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute