١٤١٠ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
ــ
١٤١٠ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ: رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَقِيلَ: قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَلِيَ إِمَارَةَ الْكُوفَةِ. ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ) وَفِي الشَّمَائِلِ خَطَبَ النَّاسَ. (وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ: عِصَابَةٌ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَتُسَمَّى بِهَا الْعِمَامَةُ، وَقَدْ جَاءَ فِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ: «صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ عِمَامَةٍ» " (سَوْدَاءُ) وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دَسْمَاءُ أَوْ سَوْدَاءُ، وَقِيلَ: مُلَطَّخَةٌ بِدُسُومَةِ شَعْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ كَانَ يَكْثُرُ دُهْنُهُ، (قَدْ أَرْخَى) أَيْ: سَدَلَ وَأَرْسَلَ (طَرَفَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ: طَرَفَيْ عِمَامَتِهِ (بَيْنَ كَتِفَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ أَنَّ لُبْسَ الزِّينَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ، وَإِرْسَالَ طَرَفَيْهَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ سُنَّةٌ. قَالَ مِيرَكُ فِي حَاشِيَةِ الشَّمَائِلِ: هَذِهِ الْخُطْبَةُ وَقَعَتْ فِي مَعْرِضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يُسَنُّ لُبْسُ السَّوَادِ لِحَدِيثٍ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّ عِمَامَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . قَالَ مِيرَكُ: وَالْأَرْبَعَةُ وَفِي الشَّمَائِلِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ أَيْ: أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَرَأَيْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي ثَلْجِ الْفُؤَادِ فِي لُبْسِ السَّوَادِ عَنْ عَلَيٍّ: أَنَّهُ لَبِسَ عِمَامَةً سَوْدَاءَ قَدْ أَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَلَيٍّ عِمَامَةً سَوْدَاءَ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ خَطَبَ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ، وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ يُرْخِيهَا شِبْرًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ قَدْ أَرْخَى مِنْ خَلْفِهِ نَحْوًا مِنْ ذِرَاعٍ. وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ لُبْسَ الْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَمُعَاوِيَةُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَالْبَرَاءُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَوَاثِلَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عُدَيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا مَعَهُ جِبْرِيلُ، وَأَنَا أَظُنُّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ. فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّهُ لَوَضِحُ الثِّيَابِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ السُّودَ» . وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْمُولَةِ فِي إِرْسَالِ الْعَذَبَةِ، «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدِيَّ وَمِنْ خَلْفِي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَنَحْوَهَا، ثُمَّ قَالَ هَكَذَا فَاعْتَمَّ، فَإِنَّهُ أَغْرَبُ وَأَحْسَنُ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ لَا يُوَلِّي وَالِيًا حَتَّى يُعَمَّمَ يُرْخِيَ لَهَا مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ نَحْوَ الْأُذُنِ. رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ: مَا فَارَقَ الْعَذَبَةَ قَطُّ. لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ، بَلْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهُدَى: أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمُّ تَارَةً بِعَذَبَةٍ وَتَارَةً بِلَا عَذَبَةٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ» إِلَخْ، وَحَدِيثُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عِمَامَةٍ صَمَّاءَ» فَلَا أَصْلَ لَهُمَا، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَتَرَكَهَا اسْتِنْكَافًا عَنْهَا أَثِمَ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ فَلَا.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا، وَبِغَيْرِ إِرْسَالِهِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ إِرْسَالِهَا شَيْءٌ، وَإِرْسَالُهَا إِرْسَالًا فَاحِشًا كَإِرْسَالِ الثَّوْبِ، فَيَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ ; لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا إِسْبَالَ فِي الْإِزَارِ، وَالْقَمِيصِ، وَالْعِمَامَةِ، مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا إِذَا اقْتَدَى الشَّخْصُ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي عَمَلِ الْعَذَبَةِ، وَحَصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ خُيَلَاءُ فَدَوَاؤُهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ، وَيُعَالِجَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَرْكَ الْعَذَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ إِلَّا بِتَرْكِهَا فَلْيَتْرُكْهَا مُدَّةً حَتَّى تَزُولَ ; لِأَنَّ تَرْكَهَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَإِزَالَةَ الْخُيَلَاءِ وَاجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي السَّوَادِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَلْبَسَ السَّوَادَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ هَذَا، لَكِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ إِنَّمَا هُوَ الْبَيَاضُ، ثُمَّ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْبَسُ الْبَيَاضَ دُونَ السَّوَادِ، إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَرَتُّبُ مَفْسَدَةٍ عَلَيْهِ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي الْإِحْيَاءِ فِي مَوْضِعٍ تَبَعًا لِقَوْلِ أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ: يُكْرَهُ لُبْسُ السَّوَادِ.
وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: بِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى لُبْسِ السُّودِ بِدْعَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ لُبْسَهُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ بَنُو الْعَبَّاسِ فِي خِلَافَتِهِمْ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الرَّايَةَ الَّتِي عُقِدَتْ لِجَدِّهِمُ الْعَبَّاسِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ كَانَتْ سَوْدَاءَ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ الْأَلْوَانِ مِنَ الزِّينَةِ، وَأَقْرَبُهَا إِلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ يَلْبَسُهُ الْعُبَّادُ وَالنُّسَّاكُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute