للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

" الْفَصْلُ الثَّانِي "

١٤٣٩ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ) ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

"

الْفَصْلُ الثَّانِي "

١٤٣٩ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ) أَيْ: مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. (وَلَهُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْلَا اسْتِدْعَاءُ الرَّاجِعِ مِنَ الْحَالِ أَعْنِي: وَلَهُمْ لَكَانَتْ لَنَا مَنْدُوحَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ اهـ. يَعْنِي: وَلَقُلْنَا لِلْأَنْصَارِ أَوْ لِلْأَصْحَابِ. (يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا) : وَهُمَا: يَوْمُ النَّيْرُوزِ، وَيَوْمُ الْمِهْرَجَانِ. كَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ. وَفِي الْقَامُوسِ: النَّيْرُوزُ: أَوَّلُ يَوْمِ السَّنَةِ مُعَرَّبُ نَوْرُوزٍ. قُدِّمَ إِلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَيْءٌ مِنَ الْحَلَاوِي فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: لِلنَّيْرُوزِ. فَقَالَ: نَيْرُوزُنَا كُلَّ يَوْمٍ، وَفِي الْمِهْرَجَانِ قَالَ: مِهْرَجَانُنَا كُلَّ يَوْمٍ اهـ. وَالنَّوْرُوزُ مَشْهُورٌ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ فِيهِ إِلَى بُرْجِ الْحَمَلِ، وَهُوَ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ، كَمَا أَنَّ غُرَّةَ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ أَوَّلُ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ. وَأَمَّا مِهْرَجَانُ، فَالظَّاهِرُ بِحُكْمِ مُقَابَلَتِهِ بِالنَّيْرُوزِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ يَوْمِ الْمِيزَانِ، وَهُمَا يَوْمَانِ مُعْتَدِلَانِ فِي الْهَوَاءِ، لَا حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ، وَيَسْتَوِي فِيهِمَا) اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَكَانَ الْحُكَمَاءُ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالْهَيْئَةِ اخْتَارُوهُمَا لِلْعِيدِ فِي أَيَّامِهِمْ، وَقَلَّدَهُمْ أَهْلُ زَمَانِهِمْ ; لِاعْتِقَادِهِمْ بِكَمَالِ عُقُولِ حُكَمَائِهِمْ، فَجَاءَ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَبْطَلُوا مَا بَنَى عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ. (فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا أَيْ: فِي الْيَوْمَيْنِ. (فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ: فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ أَيَّامِ الْإِسْلَامِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ) لِلتَّحْقِيقِ. (أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا) : الْبَاءُ هُنَا دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَهُوَ الْأَفْصَحُ أَيْ: جَعَلَ لَكُمْ بَدَلًا عَنْهُمَا خَيْرًا. (مِنْهُمَا) أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَخَيْرًا لَيْسَتْ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ ; إِذْ لَا خَيْرِيَّةَ فِي يَوْمَيْهِمَا. (يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ) : وَقَدَّمَ الْأَضْحَى ; فَإِنَّهُ الْعِيدُ الْأَكْبَرُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. نُهِيَ عَنِ اللَّعِبِ وَالسُّرُورِ فِيهِمَا أَيْ: فِي النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، وَفِيهِ نِهَايَةٌ مِنَ اللُّطْفِ، وَأَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ ; لِأَنَّ السُّرُورَ الْحَقِيقِيَّ فِيهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: ٥٨] قَالَ الْمُظْهِرُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْظِيمَ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَغَيْرِهِمَا أَيْ: مِنْ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْحَنَفِيُّ: مَنْ أَهْدَى فِي النَّيْرُوزِ بَيْضَةً إِلَى مُشْرِكٍ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَحَاسِنَ: الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَنَفِيُّ: مَنِ اشْتَرَى فِيهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ فِي غَيْرِهِ، أَوْ أَهْدَى فِيهِ هَدِيَّةً إِلَى غَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْكَفَرَةُ فَقَدْ كَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ بِالشِّرَاءِ التَّنَعُّمَ وَالتَّنَزُّهَ، وَبِالْإِهْدَاءِ التَّحَابَّ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ، لَمْ يَكُنْ كُفْرًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّشَبُّهِ بِالْكَفَرَةِ، حِينَئِذٍ فَيُحْتَرَزُ عَنْهُ اهـ.

وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَيَجْعَلُونَ أَيْضًا أَيَّامَ دُخُولِ الْكَعْبَةِ عِيدًا، وَلَيْسَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ، إِلَّا أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْخَوَارِجِ، بِإِظْهَارِ السُّرُورِ، كَمَا أَنَّ إِظْهَارَ آثَارِ الْحُزْنِ مِنْ شِيَمِ الرَّوَافِضِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَهْوَنَ مِنَ الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُمَا ; فَإِنَّهُمَا مِنَ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ، ظَهَرَتْ فِي أَيَّامِ مَنَاصِبِ النَّوَاصِبِ، وَزَمَانِ غَلَبَةِ الشِّيعَةِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ بِحَمْدِ اللَّهِ غَافِلُونَ عَنْهُمَا، غَيْرَ عَالِمَيْنِ بِأَحْوَالِهِمَا، وَشَارَكَتِ الرَّافِضَةُ الْمَجُوسِيَّةَ أَيْضًا فِي تَعْظِيمِ النَّيْرُوزِ ; مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَتَقَرَّرَتِ الْخِلَافَةُ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الشَّنَاعَةِ لِلِاحْتِرَازِ وَالِاحْتِرَاسِ عَنِ الشَّبَاهَةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ أَهْلُ مِصْرَ وَنَحْوُهُمْ، فَإِنَّ لِمَنْ بِهَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى تَعْظِيمًا خَارِجًا عَنِ الْحَدِّ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهَا يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى صُوَرِ تِلْكَ التَّعْظِيمَاتِ، كَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَأْكُولِ، وَالزِّينَةِ عَلَى طِبْقِ مَا يَفْعَلُهُ الْكُفَّارُ، وَمِنْ ثَمَّ أَعْلَنَ النَّكِيرَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ الْمَالِكِيُّ فِي مَدْخَلِهِ، وَبَيَّنَ تِلْكَ الصُّوَرَ، وَكَيْفِيَّةَ مُوَافَقَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِيهَا، بَلْ قَالَ: إِنَّ بَعْضَ عُلَمَائِهَا قَدْ تَحْكُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فِي أَنْ يَفْعَلَ لَهَا نَظِيرَ مَا يَفْعَلُهُ الْكُفَّارُ فِي أَعْيَادِهِمْ فَيُطِيعُهَا، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا، ذَكَرَهُ مِيْرَكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>