١٤٥٠ - وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
١٤٥٠ - (وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ) أَيْ: أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ يُقَالُ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، رَوَى (عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ) : جَمْعُ عَمٍّ، كَالْبُعُولَةِ جَمْعُ بَعْلٍ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَأُبُوَّةٍ، وَخُئُولَةٍ. (مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِينَ، عُمِّرَ بَعْدَ أَبِيهِ أَنَسٍ زَمَانًا طَوِيلًا، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (أَنَّ رَكْبًا) : جَمْعُ رَاكِبٍ، كَصَحْبٍ وَصَاحِبٍ. (جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ) أَيْ: يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ. (أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ؟ بِالْأَمْسِ) :. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُمْ قَدِمُوا آخِرَ النَّهَارِ، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ وَقْتَهَا مِنِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى زَوَالِهَا، إِذْ لَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ تُؤَدَّى بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا أَخَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْغَدِ. (فَأَمَرَهُمْ) أَيِ: النَّاسَ. (أَنْ يُفْطِرُوا) أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمَ. (وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا) أَيْ: يَذْهَبُوا فِي الْغُدْوَةِ أَيْ: جَمِيعًا. (إِلَى مُصَلَّاهُمْ) : لِصَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى.
قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي لَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ فِي الْمَدِينَةِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصَامُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَجَاءَ قَافِلَةٌ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِفْطَارِ، وَبِأَدَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْيَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. وَفِي الْفِقْهِ إِنْ شَهِدُوا بَعْدَ الزَّوَالِ أَفْطَرَ النَّاسُ، وَصَلَّوْا صَلَاةَ الْعِيدِ مِنَ الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَظَاهِرِ قَوْلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي الصَّلَاةَ مِنَ الْيَوْمِ وَلَا مِنَ الْغَدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إِنْ حَدَثَ عُذْرٌ مَنَعَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلَّاهَا مِنَ الْغَدِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنْ مَنَعَ عُذْرٌ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْأَضْحَى، فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَيْضًا إِنْ مَنَعَ عُذْرٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَكَذَا إِنْ أَخَّرَهَا إِلَى الْيَوْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ جَازَ، لَكِنْ مَعَ الْإِسَاءَةِ اهـ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: صَلَاةُ الْعِيدِ الْمَقْضِيَّةُ رَكْعَتَانِ كَالْمُؤَدَّاةِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ إِلَّا لِدَلِيلٍ، وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِمَا فِيهِ خَفَاءٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَرْبَعٌ كَالْجُمُعَةِ إِذَا فَاتَتْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ بَعِيدٌ ; لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنِ الظُّهْرِ، أَوْ صَلَاتَا وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَجَازَ رُجُوعُ أَحَدِهَا لِعَدَدِ الْأُخْرَى، وَهُنَا لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اهـ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ إِذْ مَذْهَبُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ صَلَاةَ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَقْضِيهَا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) وَقَالَ مِيْرَكُ: سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَأَقَرَّهُ الْمُنْذِرِيُّ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سُكُوتَهُمَا إِمَّا تَصْحِيحٌ أَوْ تَحْسِينٌ مِنْهُمَا، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute