الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١٤٨٠ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ) : وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ. (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ: فِي زَمَانِهِ. (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَعَثَ مُنَادِيًا: بِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ) أَيْ: يُنَادِي بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لِيَجْتَمِعُوا إِنْ لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الصَّلَاةُ مُبْتَدَأٌ، وَجَامِعَةٌ خَبَرُهُ، أَيِ: الصَّلَاةُ تَجْمَعُ النَّاسَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ الصَّلَاةُ ذَاتُ جَمَاعَةٍ أَيْ: تُصَلَّى جَمَاعَةً لَا مُنْفَرِدًا كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، فَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ كَ طَرِيقٌ سَائِرٌ اهـ. وَجُوِّزَ نَصْبُ الْأَوَّلِ بِتَقْدِيرِ احْضُرُوا مَعَ نَصْبِ الثَّانِي عَلَى الْحَالِ، وَرَفْعُهُ بِتَقْدِيرِ هِيَ جَامِعَةٌ، وَرَفْعُ الْأَوَّلِ بِالْخَبَرِيَّةِ أَيْ: هَذِهِ الصَّلَاةُ مَعَ نَصْبِ الثَّانِي عَلَى الْحَالِيَّةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُسِنُّ فِعْلَهَا جَمَاعَةٌ كَالْعِيدِ، وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ النِّدَاءُ لَهَا بِمَا ذُكِرَ لَا انْفِرَادًا كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَوَافَقَهُ مَالِكٌ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، وَرَدَّ عَلَيْهِمَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسَوِّيَةِ بَيْنَ الْكُسُوفَيْنِ اهـ.
وَمَا نُسِبَ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الِانْفِرَادِ فِي الْكُسُوفِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ، وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فِيهِ سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ، وَلَا أَعْرِفُ حَالَهُ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا حَتَّى يَثْبُتَ التَّصْرِيحُ لَهُ. (فَتَقَدَّمَ) أَيْ: هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) أَيْ: رُكُوعَاتٍ. (فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ) : فَائِدَةُ ذِكْرِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ. (قَالَتْ عَائِشَةُ) أَيْ: بَعْدَ فَرَاغِهَا مَعَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ، وَلَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ، كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ) أَيْ: كَانَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ أَوِ السُّجُودُ أَطْوَلَ مِنْ رُكُوعِ الْخُسُوفِ وَسُجُودِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْ: مِنْ كُلِّهِ مِنَ الرُّكُوعَاتِ وَالسُّجُودَاتِ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ رَكْعَتَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ رَكْعَتَانِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ وَسُجُودَانِ، وَيُصَلَّى الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ بِالْجَمَاعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَفُرَادَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ: إِنْ لَمْ يُوجَدْ إِمَامُ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْكُسُوفِ، وَأَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَيُصَلَّى كُسُوفُ الشَّمْسِ جَمَاعَةً، وَخُسُوفُ الْقَمَرِ فُرَادَى، وَرُكُوعُهُمَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَكْرِيرِ الرُّكُوعِ مَعَ صِحَّةِ الْأَحَادِيثِ بِهِ. قُلْتُ: سَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ. قَالَ: وَعِنْدَنَا أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ، وَدَلِيلُ هَذِهِ خَبَرُ الْحَاكِمِ الَّذِي قَالَ: إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ هَذِهِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَصَحَّ أَيْضًا «أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ فَخَرَجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ» اهـ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَحَيْثُ اجْتَمَعَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ تَقَدَّمَ عَلَى الْفِعْلِ فَقَطْ، مَعَ أَنَّهُ اضْطَرَبَ فِي الزِّيَادَةِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مَا ثَبَتَ تَعَدُّدُ الْقَضِيَّةِ، بَلْ تَعَدُّدُ الْكُسُوفِ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الْحَالَاتِ الْعَادِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute