(قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا) أَيْ: قَصَدْتَ تَنَاوُلَ شَيْءٍ وَأَخْذَهُ. (فِي مَقَامِكَ هَذَا) أَيْ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّيْتَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْ: فِي مَقَامِكَ هَذَا الَّذِي وَعَظْتَنَا فِيهِ. (ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ) أَيْ: تَأَخَّرْتَ. (فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ) أَيْ: مُشَاهَدَةً أَوْ مُكَاشَفَةً. (فَتَنَاوَلْتُ) أَيْ: قَصَدْتُ التَّنَاوُلَ. (مِنْهَا عُنْقُودًا) أَيْ: قِطْعَةً مِنَ الْعِنَبِ، يَعْنِي: حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ عَنْ مَكَانِي. (وَلَوْ أَخَذْتُهُ) أَيِ: الْعُنْقُودَ. (لَأَكَلْتُمْ) : مَعْشَرَ الْأُمَّةِ. (مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا) أَيْ: مُدَّةَ بَقَاءِ الدُّنْيَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْخِطَابُ عَامٌّ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ السَّمَاعُ وَالْأَكْلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. قَالَ الْقَاضِي: وَوَجْهُ ذَلِكَ إِمَّا بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى مَكَانَ كُلِّ حَبَّةٍ تُقْتَطَفُ حَبَّةً أُخْرَى، كَمَا وَرَدَ فِي خَوَاصِّ ثَمَرِ الْجَنَّةِ، أَوْ بِأَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ حَبِّهِ إِذَا غَاصَ فِي الْأَرْضِ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ، فَيَبْقَى نَوْعُهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا فَيُؤْكَلُ مِنْهُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَبَبُ تَرْكِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَنَاوُلَ الْعُنْقُودِ أَنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَهُ وَرَآهُ لَكَانَ إِيمَانُهُمْ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالْغَيْبِ فَيَرْتَفِعُ التَّكْلِيفُ. قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: ١٥٨] اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.
(وَرَأَيْتُ النَّارَ) أَيْ: حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارَ ; فَتَأَخَّرْتُ خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ حَرَارَتِهَا. (فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ) أَيْ: مِثْلَ الْيَوْمِ. (مَنْظَرًا قَطُّ) أَيْ: لَمْ أَرَ مَنْظَرًا مِثْلَ مَنْظَرِ الْيَوْمِ فَهُوَ مَنْظَرًا، فَلَمَّا قُدِّمَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. (أَفْظَعَ) أَيْ: أَشَدَّ، وَأَكْرَهَ، وَأَخْوَفَ. قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: لَمْ أَرَ مَنْظَرًا مِثْلَ الْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُهُ الْيَوْمَ أَيْ: رَأَيْتُ مَنْظَرًا مَهُولًا فَظِيعًا، وَالْفَظِيعُ: الشَّنِيعُ. (وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا) أَيْ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُطْلَقًا. (النِّسَاءَ) : قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ: أَنَّ «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يُمْسِي عَلَى زَوْجَتَيْنِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا» ، فَكَيْفَ يَكُنَّ مَعَ ذَلِكَ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، وَهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِهَا ابْتِدَاءً، ثُمَّ يَخْرُجْنَ وَيَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ فَيُصَيَّرْنَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا انْتِهَاءً، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِهَا بِالْقُوَّةِ ثُمَّ يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُنَّ، هَذَا وَلَا بِدْعَ أَنَّهُنَّ يَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهِمَا لِكَثْرَتِهِنَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالُوا) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَقَالُوا. (بِمَ) أَيْ: بِسَبَبِ أَيِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ. (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) أَيِ: الزَّوْجَ الْمُعَاشِرَ. (وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ عَلَى طَرِيقِ أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا ضِدُّ الشُّكْرِ، وَهُوَ الْكُفْرَانُ، وَبَيَانُهُ قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْسَنْتَ) : الْخِطَابُ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِحْسَانُ. (إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ) أَيْ: جَمِيعَ الزَّمَانِ أَوِ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ. (ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا) أَيْ: يَسِيرًا مِنَ الْمَكَارِهِ، وَأَمْرًا حَقِيرًا مِنَ الْإِسَاءَةِ وَالشَّرِّ. (قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) أَيْ: فِي جَمِيعِ مَا مَضَى مِنَ الْعُمُرِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيْرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute