سُرُورٌ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، أَوِ الْمَفْعُولِ بِهِ، أَوْ عَلَى الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ أَيِ: أَمْرٌ ذُو سُرُورٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: أَمْرُ سُرُورٍ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيِ: إِذَا جَاءَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَالَ كَوْنِهِ سُرُورًا) اهـ. وَهُوَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَوْ بِكَوْنِ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ.
(أَوْ يُسَرُّ بِهِ -) : شَكَّ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ وَالْمَبْنَى، وَإِلَّا فَالْمَآلُ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى. (خَرَّ) أَيْ: سَقَطَ. (سَاجِدًا شَاكِرًا) : حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ، أَوْ مُتَرَادِفَانِ، وَفِي نُسْخَةٍ: شُكْرًا بِالنَّصْبِ لِلْعِلَّةِ. (لِلَّهِ تَعَالَى) .
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، فَرَأَوُا السُّجُودَ مَشْرُوعًا فِي بَابِ شُكْرِ النِّعْمَةِ، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا: الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ. وَحُجَّتُهُمْ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أُتِيَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ خَرَّ سَاجِدًا» ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، رَأَيْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالضُّحَى رَكْعَتَيْنِ حِينَ بُشِّرَ بِالْفَتْحِ، أَوْ لِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ، وَنَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: لَوْ أُلْزِمَ الْعَبْدُ السُّجُودَ عِنْدَ كُلِّ نِعْمَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ عَظِيمَةِ الْمَوْقِعِ عِنْدَ صَاحِبِهَا لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَغْفُلَ عَنِ السُّجُودِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهَا أَدْنَى سَاعَةٍ، فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعْمَةٍ عِنْدَ الْعِبَادِ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ بِتَجَدُّدِ الْأَنْفَاسِ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَ سَجَدَ رَأَى نُغَاشِيًّا. فَمُرْسَلٌ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ سُرُورٌ يَحْصُلُ عِنْدَ هُجُومِ نِعْمَةٍ يَنْتَظِرُهَا، أَوْ يُفَاجِئُهَا مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ مِمَّا يَنْدُرُ وُقُوعُهَا لَا مَا اسْتَمَرَّ وُقُوعُهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَهُ فِي الْحَدِيثِ بِالْمَجِيءِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ، وَنُكِّرَ أَمْرٌ لِلتَّفْخِيمِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَذَا حَدِيثُ النُّغَاشِيِّ، وَالْمُرْسَلُ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ إِذَا تَقَوَّى بِحَدِيثٍ آخَرَ ضَعِيفٍ قَوِيَ، وَصَارَ حَسَنًا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَنَقَلَ مِيْرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ، وَفِي إِسْنَادِهِ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضٌ، وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اهـ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ عَنْ جَابِرٍ، وَجَرِيرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قُلْتُ: وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْبَرَاءِ، كُلِّهِمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَمَّ كَلَامُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute