٨١ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «احْتَجَّ آدَمُ، وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى؟ قَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهَبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ؟ قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدَتِ اللَّهِ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا. قَالَ آدَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٨١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (احْتَجَّ) أَيْ: تَحَاجَّ (آدَمُ، وَمُوسَى) أَيْ طَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْحُجَّةَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى مَا يَقُولُ. قِيلَ: هَذِهِ الْمُحَاجَّةُ كَانَتْ رُوحَانِيَّةً فِي عَالَمِ الْغَيْبِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (عِنْدَ رَبِّهِمَا) أَيْ: عِنْدَ تَجَلِّيهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا حَالَ تَفَاوُضِهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُسْمَانِيَّةً بِأَنْ أَحْيَاهُمَا، أَوْ أَحْيَا آدَمَ فِي حَيَاةِ مُوسَى، وَاجْتَمَعَا فِي حَضَائِرِ الْقُدْسِ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اجْتَمَعَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ. (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) أَيْ: غَلَبَهُ فِي الْحُجَّةِ بِأَنْ أَلْزَمَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَرْكِهِ، بَلْ كَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا فَاللَّوْمُ بَعْدَ زَوَالِ التَّكْلِيفِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالْعَفْوِ عَنْهُ لَا سِيَّمَا مِمَّنْ شَاهَدَ سِرَّ اللَّهِ مِنْ وَرَاءِ الْأَسْتَارِ فِي الْقَدَرِ الْمَحْتُومِ مِمَّا لَا يُحَسُّ عَقْلًا، وَأَمَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ شَرْعًا مِنَ الْحُدُودِ، وَالتَّعْزِيرِ فَحُسْنُهُ مِنَ الشَّارِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ (قَالَ مُوسَى) : إِلَخْ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهَا (أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ) أَيْ: قُدْرَتِهِ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ إِكْرَامًا، وَتَشْرِيفًا لَهُ، وَأَنَّهُ خُلِقَ إِبْدَاعًا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ أَبٍ، وَأُمٍّ، وَالْقِيَاسُ خَلَقَهُ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَوْصُولِ حَتَّى يَصِحَّ وُقُوعُ الْجُمْلَةِ صِلَةً، فَالْتَفَتَ تَلَذُّذًا بِخِطَابِ الْأَبِ الْحَائِزِ هَذَا الشَّرَفِ الْأَكْبَرِ، قِيلَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لُغَةٌ كَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَةَ
(وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ) : الْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ، وَالتَّخْصِيصِ أَيْ: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ، وَلَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي الْقُرْآنِ (وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ) أَيْ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا لَكَ، أَوْ إِلَيْكَ تَعْظِيمًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ سُجُودُهُمْ لَهُ انْحِنَاءً لَا خُرُورًا عَلَى الذَّقَنِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أُمِرُوا بِأَنْ يَأْتَمُّوا بِهِ فَسَجَدَ، وَسَجَدُوا لِلَّهِ، فَالتَّقْدِيرُ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَسْجُدُوا لِلَّهِ لِأَجْلِ سُجُودِكَ إِيَّاهُ، أَوِ اللَّامُ لِلتَّوْقِيتِ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: خَضَعُوا لَهُ، وَأَقَرُّوا بِفَضْلِهِ، فَالسَّجْدَةُ لُغَوِيَّةٌ. بِمَعْنَى الِانْقِيَادِ (وَأَسْكَنَكَ) أَيْ: جَعَلَكَ سَاكِنًا، أَوْ جَعَلَ لَكَ سُكْنَى (فِي جَنَّتِهِ) : الْخَاصَّةِ بِهِ، وَفِيهِ رَدٌّ لَفْظًا وَمَعْنًى عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا فِي بُسْتَانٍ مِنْ بَسَاتِينِ الدُّنْيَا (ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ) أَيِ: الَّتِي صَدَرَتْ مِنْكَ غَيْرَ لَائِقَةٍ بِعُلُوِّ مَقَامِكَ، وَهِيَ أَكْلُكَ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَإِنْ كَانَ نِسْيَانًا، أَوْ خَطَأً فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْكُمَّلَ يُعَاتَبُونَ، وَيُؤَاخَذُونَ بِمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُمْ، فَإِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ أَيْ: صِرْتَ سَبَبًا لِإِهْبَاطِهِمْ وَإِنْزَالِهِمْ، وَإِسْقَاطِهِمْ، فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ لَكِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى شَرَفِ الْوُجُودِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ مُهْبَطِينَ مِنْهَا (إِلَى الْأَرْضِ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَهْبَطْتَ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِهَذِهِ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ، وَأَنْتَ عَصَيْتَهُ بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ حَتَّى أُخْرِجْتَ مِنَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِهَا، وَبَقِيَ أَوْلَادُكَ فِي دَارِ الْمَشَقَّةِ وَالْبَلْوَى وَالِابْتِلَاءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوِ اسْتَمَرُّوا فِي الْجَنَّةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانُوا فِي غَايَةٍ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي لَا نَعِيمَ فَوْقَهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُخِلُّ بِالْأَدَبِ مَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ مَقَامَ الِاحْتِجَاجِ يُسَامَحُ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ) أَيِ: اخْتَارَكَ (اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ) : بِالْجَمْعِ لِإِرَادَةِ الْأَنْوَاعِ، أَوْ بِالْإِفْرَادِ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ كَمَا قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤] وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute