بَعْضِهِمْ، وَمَا هُنَا مِنَ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ، وَلَيْسَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ طَلَبِهِ أَيْ: هَيِّئْ لَنَا غَيْثًا. فِي النِّهَايَةِ: يُقَالُ مَرَأَنِي الطَّعَامُ، وَأَمْرَأَنِي: إِذَا لَمْ يَثْقُلْ عَلَى الْمَعِدَةِ، وَانْحَدَرَ عَنْهَا طَيِّبًا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَيُحْتَمَلُ مَرِيئًا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ، أَوْ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْيَاءِ مِدْرَارًا مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ مَرِيءٌ: كَثِيرَةُ اللَّبَنِ، وَلَا أُحَقِّقُهُ رِوَايَةً. (مَرِيعًا) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ، أَيْ: كَثِيرًا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: ذَا مَرَاعَةٍ وَخِصْبٍ، وَيُرْوَى مُرْبِعًا بِالْبَاءِ أَيْ: بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ: مُنْبِتًا لِلرَّبِيعِ، الْمُغْنِي عَنِ الِارْتِيَادِ لِعُمُومِهِ، وَالنَّاسُ يُرْبِعُونَ حَيْثُ شَاءُوا، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى النُّجْعَةِ. وَيُرْوَى مَرْتَعًا أَيْ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ أَيْ: يَنْبُتُ بِهِ مَا يُرْتِعُ الْإِبِلَ، وَكُلُّ خَصْبٍ مَرْتَعٌ، وَمِنْهُ: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: ١٢] ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَرِيعًا أَيْ: خَصْبًا، فَعِيلٌ مِنْ مَرُعَ الْأَرْضُ بِالضَّمِّ مَرَاعَةً أَيْ: صَارَتْ كَثِيرَةَ الْمَاءِ وَالنَّبَاتِ، وَقِيلَ: مُرِيعًا بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ: مُخْصِبًا، مِنْ أَمْرَعَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَخْصَبَ، أَوْ غَيْثًا كَثِيرَ النَّمَاءِ ذَا رِيعٍ، مِنْ أَرَاعَتِ الْإِبِلُ إِذَا كَثُرَتْ أَوْلَادُهَا، وَمِرْبَعًا مِفْعَلٌ مِنَ الرَّبْعِ أَيْ: مَوْضِعُ إِقَامَةٍ، وَمُرْبِعًا بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ: مُقِيمًا لِلنَّاسِ، مُغْنِيًا لَهُمْ عَنِ الِارْتِيَادِ ; لِعُمُومِهِ جَمِيعَ الْبِلَادِ، مِنْ أَرْبَعَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ، وَقِيلَ: مُنْبِتًا لِلرَّبْعِ، وَهُوَ النَّبَاتُ الَّذِي يَرْعَاهُ الشَّاءُ فِي الرَّبِيعِ. (نَافِعًا، غَيْرَ ضَارٍّ) : تَأْكِيدٌ. (عَاجِلًا) غَيْرَ آجِلٍ: مُبَالَغَةٌ.
(قَالَ) أَيْ: جَابِرٌ. (فَأَطْبَقَتْ) : عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ بِالْمَفْعُولِ. (عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ) يُقَالُ: أَطْبَقَ إِذَا جَعَلَ الطَّبَقَ عَلَى رَأْسِ شَيْءٍ وَغَطَّاهُ بِهِ، أَيْ: جُعِلَتْ عَلَيْهِمُ السَّحَابُ كَطَبَقٍ، وَقِيلَ: أَيْ: ظَهَرَ السَّحَابُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَغَطَّاهُمُ السَّحَابُ كَطَبَقٍ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَ السَّمَاءَ مِنْ تَرَاكُمِ السَّحَابِ وَعُمُومِهِ الْجَوَانِبَ. وَقِيلَ: أَطْبَقَتْ بِالْمَطَرِ الدَّائِمِ، يُقَالُ: أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى أَيْ: دَامَتْ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَيْ: مَلَأَتْ وَالْغَيْثُ الْمُطْبِقُ هُوَ الْعَامُّ الْوَاسِعُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: عَقِبَ الْمُغِيثِ وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يُغِيثُ الْخَلْقَ مِنَ الْقَحْطِ بِالْغَيْثِ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، وَالْمُغِيثُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَكَّدَ مَرِيئًا بِمَرْتَعًا بِالتَّاءِ يُنْبِتُ اللَّهُ بِهِ مَا يُرْتِعُ الْإِبِلَ، وَالْحَدَّ النَّافِعَ، عَاجِلًا بِغَيْرِ آجِلٍ اعْتِنَاءً بِشَأْنِ الْخَلْقِ، وَاعْتِمَادًا عَلَى سِعَةِ رَحْمَةِ الْحَقِّ، فَكَمَا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الدُّعَاءِ كَانَتِ الْإِجَابَةُ طِبْقًا لَهُ حَيْثُ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ، فَإِنَّ فِي إِسْنَادِ الْإِطْبَاقِ إِلَى السَّمَاءِ، وَالسَّحَابُ هُوَ الْمُطْبِقُ أَيْضًا مُبَالَغَةً، وَعَرَّفَهَا لِيَنْتَفِيَ أَنَّ تَنَزُّلَ الْمَطَرِ مِنْ سَمَاءٍ، أَيْ: مَنْ أُفُقٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْآفَاقِ ; لِأَنَّ كُلَّ أُفُقٍ مِنْ آفَاقِهَا سَمَاءٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ غَمَامٌ مُطْبِقٌ أَخَذَ بِآفَاقِ السَّمَاءِ إِجَابَةً لِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيْرَكُ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَفْظُهُ: أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَوَاكٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: بَوَاكِي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ بَاكِيَةٍ، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْخَطَّابِيِّ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاكِئُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ مَضْمُومَةٍ وَآخِرُهُ مَهْمُوزٌ قَالَ: وَمَعْنَاهُ يَتَحَامَلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا رَفَعَهُمَا وَمَدَّهُمَا فِي الدُّعَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْخَطَّابِيُّ لَمْ تَأْتِ بِهِ الرِّوَايَةُ، وَلَا انْحَصَرَ الصَّوَابُ فِيهِ، بَلْ لَيْسَ هُوَ وَاضِحَ الْمَعْنَى، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: «أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَوَازِلُ» بَدَلَ بَوَاكِي اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute