للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَنْشَأُ عَنْ خِفَّةِ الْبَدَنِ، وَخُلُوِّهِ عَنِ الْأَخْلَاطِ الْمُثْقِلَةِ لَهُ عَنِ الطَّاعَةِ، بِخِلَافِ التَّثَاؤُبِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ ضِدِّ ذَلِكَ ; وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» . (فَشَمِّتْهُ) أَيْ: قُلْ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. (وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ) : وَلَوْ مَرَّةً، وَمَا اشْتُهِرَ فِي مَكَّةَ أَنَّ بَعْضَ الْأَيَّامِ لَا يُعَادُ الْمَرِيضُ فِيهَا فَلَا أَصْلَ لَهُ، وَيُبْطِلُهُ مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعِبَادَةُ وَنَحْوُهَا، وَزَعَمَ أَنَّ السَّبْتَ لَا يُعَادُ فِيهِ مِمَّا أَدْخَلَهُ يَهُودِيٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ مَلِكًا فَأَمَرَهُ بِالْمَجِيءِ إِلَيْهِ يَوْمَ سَبْتِهِ فَخَشِيَ مِنْ قَطْعِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ دُخُولَ الطَّبِيبِ عَلَى الْمَرِيضِ يَوْمَ السَّبْتِ لَا يَصْلُحُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: تُسْتَحَبُّ فِي الشِّتَاءِ لَيْلًا، وَفِي الصَّيْفِ نَهَارًا غَرِيبٌ اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعِيَادَةِ حُصُولُ التَّسَلِّي وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَصْحَابِ وَالْأَحْبَابِ حَالَةَ التَّخَلِّي، فَإِنَّ لِقَاءَ الْخَلِيلِ شِفَاءُ الْعَلِيلِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْجَنَابِ الْعَلِيِّ، وَالتَّضَرُّعِ بِالدُّعَاءِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ، وَلَمَّا كَانَ لَيْلُ الشِّتَاءِ وَنَهَارُ الصَّيْفِ طَوِيلًا نَاسَبَ أَنْ يَشْغَلُوهُ عَمَّا فِيهِ مِنَ الْأَلَمِ، وَيُخَفِّفُوا عَنْهُ حِمْلَ السَّقَمِ بِالْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّأَنُّسِ بِالْكَلَامِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّنْفِيسِ لَدَيْهِ. وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَنِ ابْتُلِيَ بِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ. (وَإِذَا مَاتَ تَبِعْتَهُ) أَيْ: جِنَازَتَهُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلِلدَّفْنِ أكْمَلُ. قَالَ السَّيِّدُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُنَاقِضُ الْأَوَّلَ فِي الْعَدَدِ، فَإِنَّ هَذَا زَائِدٌ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَمْسَ مُقَدَّمٌ فِي الصُّدُورِ، وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ كَانَتْ سِتَّةً كَانَ صَادِقًا، لَوْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى لِفُلَانٍ: عَلَى سِتَّةِ دَرَاهِمَ كَانَ أَيْضًا صَادِقًا، وَالْأَمْرُ لِلتَّسْلِيمِ، وَالْعِيَادَةُ لِلنَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَلَامُ فَانْصَحُ لَهُ زَائِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ لَمْ يُسْتَحَبَّ التَّشْمِيتُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، كَذَا قَالَهُ فِي الْأَزْهَارِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>