الْإِنْسَانِ أَيْ: مِنْ جَسَدِهِ. (أَوْ كَانَتْ بِهِ) أَيْ: بِالْإِنْسَانِ. (قَرْحَةٌ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا، مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَعْضَاءِ مِثْلُ الدُّمَّلِ. (أَوْ جُرْحٌ) : بِالضَّمِّ كَالْجِرَاحَةِ بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ. (قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُصْبُعِهِ) أَيْ: أَشَارَ بِهَا قَائِلًا. (بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ: أَتَبَرَّكُ بِهِ. (تُرْبَةُ أَرْضِنَا) أَيْ: هَذِهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا مَمْزُوجَةٌ. (بِرِيقَةِ بَعْضِنَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتْفُلُ عِنْدَ الرُّقْيَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى مِنْ كُلِّ الْآلَامِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَمْرًا فَاشِيًا مَعْلُومًا بَيْنَهُمْ. قَالَ: وَوَضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّابَتَهُ، وَوَضْعُهَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّقَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِأَرْضِهَا جُمْلَةُ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: أَرْضُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِبَرَكَتِهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ مِنْ رِيقِ نَفْسِهِ، عَلَى إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى التُّرَابِ، فَيَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ، فَيَمْسَحُ بِهَا عَلَى الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ وَالْعَلِيلِ، وَيَتَلَفَّظُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي حَالِ الْمَسْحِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ كَالسِّحْرِ. وَكَلِمَةِ الْكُفْرِ اهـ.
وَمِنَ الْمَحْذُورِ أَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى كَلَامٍ غَيْرِ عَرَبِيٍّ أَوْ عَرَبِيٍّ لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ; لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِهِ عَلَى كُفْرٍ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ صَنِيعِهِ ذَلِكَ، وَمِنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ تُرْبَةَ أَرْضِنَا إِشَارَةٌ إِلَى فِطْرَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرِيقَةُ بَعْضِنَا إِشَارَةٌ إِلَى النُّطْفَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الْإِنْسَانُ فَكَأَنَّهُ يَتَضَرَّعُ بِلِسَانِ الْحَالِ، وَيُعَرِّضُ بِفَحْوَى الْمَقَالِ: إِنَّكَ اخْتَرَعْتَ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ أَبْدَعْتَ بَنِيهِ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، فَهَيِّنٌ عَلَيْكَ أَنْ تَشْفِيَ مَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَهُ، وَتَمُنَّ بِالْعَافِيَةِ عَلَى مَنِ اسْتَوَى فِي مِلْكِكَ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: قَدْ شَهِدَتِ الْمَبَاحِثُ الطِّبِّيَّةُ عَلَى أَنَّ الرِّيقَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي النُّضْجِ، وَتَبْدِيلُ الْمِزَاجِ، وَلِتُرَابِ الْوَطَنِ تَأْثِيرٌ فِي حِفْظِ الْمِزَاجِ الْأَصْلِيِّ، وَدَفْعِ نِكَايَةِ الْمَضَرَّاتِ ; وَلِذَا ذُكِرَ فِي تَيْسِيرِ الْمُسَافِرِينَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَصْحِبَ الْمُسَافِرُ تُرَابَ أَرْضِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِصْحَابِ مَائِهِ، حَتَّى إِذَا وَرَدَ مَاءً غَيْرَ مَا اعْتَادَهُ جَعَلَ شَيْئًا مِنْهُ فِي سِقَائِهِ، وَشَرِبَ الْمَاءَ مِنْهَا ; لِيَأْمَنَ مِنْ تَغَيُّرِ مِزَاجِهِ، ثُمَّ إِنَّ الرُّقَى وَالْعَزَائِمَ لَهَا آثَارٌ عَجِيبَةٌ تَتَقَاعَدُ الْعُقُولُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى كُنْهِهَا اهـ.
وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ، وَكُلُّ إِنَاءٍ يَرْشَحُ بِمَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ: بِأُصْبُعِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ فَاعِلٍ قَالَ، وَتُرْبَةُ أَرْضِنَا: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هَذِهِ، وَالْبَاءُ فِي (بِرِيقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ أَوْ حَالٌ، وَالْعَامِلُ مِنَ الْإِشَارَةِ، أَيْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشِيرًا بِأُصْبُعِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، هَذِهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا مَعْجُونَةٌ بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، قُلْنَا بِهَذَا الْقَوْلِ، أَوْ صَنَعْنَا هَذَا الصَّنِيعَ. (لِيُشْفَى سَقِيمُنَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا بِسْمِ اللَّهِ مَقُولُ الْقَوْلِ صَرِيحًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِسْمِ اللَّهِ حَالًا أُخْرَى مُتَدَاخِلَةً أَوْ مُتَرَادِفَةً عَلَى تَقْدِيرِ: قَالَ مُتَبَرِّكًا: بِسْمِ اللَّهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَقُولًا، وَالْمَقُولُ الصَّرِيحُ قَوْلُهُ: تُرْبَةُ أَرْضِنَا، وَإِضَافَةُ تُرْبَةِ أَرْضِنَا وَرِيقَةِ بَعْضِنَا، تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَأَنَّ تِلْكَ التُّرْبَةَ وَالرِّيقَةَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ شَرِيفٍ، بَلْ بِذِي نَفْسِ شَرِيفَةٍ قُدْسِيَّةٍ طَاهِرَةٍ عَنِ الْأَوْزَارِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ: وَرِيقَةُ بَعْضِنَا، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ مُزِجَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: ضَبْطُ لِيُشْفَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وسَقِيمُنَا بِالرَّفْعِ وَيُفْتَحُ أَوَّلُهُ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ مُقَدَّرٌ، سَقِيمَنَا بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. (بِإِذْنِ رَبِّنَا) أَيْ: بِأَمْرِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ دُعَاءٍ، أَوْ دَوَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: بِإِذْنِ رَبِّنَا. فِي رِوَايَةِ لَهُ: بِإِذْنِ اللَّهِ. قُلْتَ: وَلِهَذَا نُسِبَ الْحَدِيثُ فِي الْحِصْنِ إِلَى مُسْلِمٍ فَقَطْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute