للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٤ - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جِنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، لَمْ يَعْمَلِ السُّوءُ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ. فَقَالَ: (أَوَ غَيْرُ ذَلِكِ يَا عَائِشَةُ) إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٨٤ - (وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) : هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، خَطَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ فِي شَهْرِ شَوَّالَ سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَعْرَسَ بِهَا بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ، وَبَقِيَتْ مَعَهُ تِسْعَ سِنِينَ، وَمَاتَ عَنْهَا وَلَهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا، كَانَتْ فَقِيهَةً عَالِمَةً فَصِيحَةً فَاضِلَةً، كَثِيرَةَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَارِفَةً بِأَيَّامِ الْعَرَبِ، وَأَشْعَارِهَا، رَوَى عَنْهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ لَيْلًا فَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةَ مَرْوَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، مَرْوِيَّاتُهَا أَلْفٌ وَمِائَتَا حَدِيثٍ، وَعَشْرَةُ أَحَادِيثَ. (قَالَتْ: دُعِيَ) : مَجْهُولٌ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: لِلصَّلَاةِ (إِلَى جِنَازَةِ صَبِيٍّ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَتُكْسَرُ (مِنَ الْأَنْصَارِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِهَذَا) : طُوبَى فُعْلَى مَنْ طَابَ يَطِيبُ قُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا، وَكُسِرْتِ الْبَاءُ فِي بِيضٍ جَمْعُ أَبْيَضَ إِبْقَاءً لِلْأَصْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {طُوبَى لَهُمْ} [الرعد: ٢٩] مَعْنَاهُ فَرَحٌ، وَقُرَّةُ عَيْنٍ لَهُمْ، وَقِيلَ الْحَسَنُ، وَقِيلَ خَيْرٌ وَكَرَامَةٌ لَهُمْ، وَقِيلَ اسْمُ الْجَنَّةِ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَقِيلَ اسْمُهَا بِالْهِنْدِيَّةِ، وَقِيلَ اسْمُ شَجَرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أُصِيبُ خَيْرًا عَلَى الْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّ إِصَابَةَ الْخَيْرِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِطِيبِ الْعَيْشِ؛ وَلِأَنَّهُ يُقَالُ فِي حَقِّ الْمُصِيبِ طُوبَى لَكَ فَأُطْلِقَ اللَّازِمُ عَلَى الْمَلْزُومِ، وَقِيلَ طُوبَى تَأْنِيثُ أَطْيَبُ أَيِ: الرَّاحَةُ، وَطِيبُ الْعَيْشِ حَاصِلٌ لِهَذَا الصَّبِيِّ (هُوَ عُصْفُورٌ) أَيْ: طَيْرٌ صَغِيرٌ (مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ) أَيْ: هُوَ مِثْلُهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَيَنْزِلُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ يَشَاءُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: شَبَّهَتْهُ بِالْعُصْفُورِ كَمَا هُوَ صَغِيرٌ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مِنَ الطُّيُورِ، وَأَمَّا لِكَوْنِهِ - خَالِيًا مِنَ الذُّنُوبِ مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا اهـ. وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي، فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُصْفُورَ فِي الْجَنَّةِ، فَمَمْنُوعٌ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: ( «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ طَيْرًا كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ تَأْتِي الرَّجُلَ فَيُصِيبُ مِنْهَا، ثُمَّ تَذْهَبُ كَأَنَّ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا شَيْءٌ» ) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: ٢١] وَأَمَّا مَا ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ حَدِيثِ: " «إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ» "، وَخَبَرُ: نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ أَيْ: رُوحُهُ طَائِرٌ تَعَلَّقَ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ فَلَيْسَ يَصْلُحُ سَنَدًا لِلْمَنْعِ كَمَا لَا يَخْفَى. (لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ) : بِضَمِّ السِّينِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ أَيِ: الذَّنْبُ. قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ: لَمْ يَعْمَلْ ذَنْبًا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ كَإِتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ وَقَتْلِ نَفْسٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْغُرْمُ، وَالدِّيَةُ، وَإِذَا سَرَقَ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ، وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ. قُلْتُ: لَا تُسَمَّى هَذِهِ الْأَفْعَالُ مِنْهُ ذُنُوبًا فَتَأَمَّلْ. (وَلَمْ يُدْرِكْ) أَيْ: وَلَمْ يَلْحَقْهُ السُّوءُ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا، أَوْ لَمْ يُدْرِكْ هُوَ السُّوءَ أَيْ: وَقْتَهُ لِمَوْتِهِ. قِيلَ: التَّكْلِيفُ فَضْلًا عَنْ عَمَلِهِ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>