للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٦٦ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ، مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

١٥٦٦ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ عُظْمَ الْجَزَاءِ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الظَّاءِ، وَقِيلَ بِكَسْرٍ ثُمَّ فَتْحٍ أَيْ: عَظَمَةُ الْأَجْرِ وَكَثْرَةُ الثَّوَابِ مَقْرُونٌ. (مَعَ عُظْمِ الْبَلَاءِ) : كَيْفِيَّةً وَكَمِّيَّةً، جَزَاءً وِفَاقًا، وَأَجْرًا طِبَاقًا. (وَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِذَا أَحَبَّ) أَيْ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ. (قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ) : فَإِنَّ الْبَلَاءَ لِلْوُلَاةِ، وَالِابْتِلَاءَ لِلْأَوْلِيَاءِ. (فَمَنْ رَضِيَ) أَيْ: بِالْبَلَاءِ. (فَلَهُ الرِّضَا) أَيْ: فَلْيَعْلَمْ أَنَّ لَهُ الرِّضَا مِنَ الْمَوْلَى، أَوْ فَيَحْصُلُ لَهُ الرِّضَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، قِيلَ: رِضَا الْعَبْدِ مَحْفُوفٌ بِرِضَاءَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى سَابِقًا وَلَاحِقًا، وَأَنَا أَقُولُ: إِنَّمَا اللَّاحِقُ أَثَرُ السَّابِقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقَائِقِ. (وَمَنْ سَخِطَ) : بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ: كَرِهَ بَلَاءَ اللَّهِ، وَفَزِعَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ. (فَلَهُ السَّخَطُ) : مِنَ اللَّهِ أَوَّلًا وَالْغَضَبُ عَلَيْهِ آخِرًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّضَا وَالسَّخَطَ حَالَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِالْقَلْبِ، فَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَهُ أَنِينٌ مِنْ وَجَعٍ وَشِدَّةِ مَرَضٍ وَقَلْبُهُ مَشْحُونٌ مِنَ الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ. هَذَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ جَمِيعًا، وَحَذَفَ ذِكْرَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِدَلَالَةِ التَّفْصِيلِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْفَاءَ فِي فَمَنْ تَفْصِيلِيَّةٌ، وَالتَّفْصِيلُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُفَصَّلِ ; لِأَنَّ الْمُفَصَّلَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَهْلُ الْمَحَبَّةِ، وَالتَّفْصِيلُ عَلَى فَرِيقَيْنِ: أَهْلِ الرِّضَا، وَأَهْلِ السَّخَطِ. قَالَ مِيرَكُ: أَقُولُ: وَلِلْحَدِيثِ مَحْمَلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ نُزُولَ الْبَلَاءِ عَلَامَةُ الْمَحَبَّةِ فَمَنْ رَضِيَ بِالْبَلَاءِ صَارَ مَحْبُوبًا حَقِيقِيًّا لَهُ تَعَالَى، وَمَنْ سَخِطَ صَارَ مَسْخُوطًا عَلَيْهِ، تَأَمَّلْ، ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: فَهُمْ مِنْهُ أَنَّ رِضَا اللَّهِ مَسْبُوقٌ بِرِضَاءِ الْعَبْدِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَرْضَى الْعَبْدُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بَعْدَ رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: ١١٩] وَمُحَالٌ أَنْ يَحْصُلَ رِضَاءُ اللَّهِ، وَلَا يَحْصُلُ رِضَا الْعَبْدِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ - ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧ - ٢٨] . فَعَنِ اللَّهِ الرِّضَا أَزَلًا وَأَبَدًا، سَابِقًا وَلَاحِقًا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: بِسَنَدِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (وَابْنُ مَاجَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>