الْغُلَامِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ أَنْقَذَ بِي بِالْبَاءِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنْقَذَهُ اللَّهُ بِسَبَبِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَقُولُ بِصِحَّةِ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: هُوَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي غَيْرِ الْبَالِغِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْبَالِغُ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ لِصِحَّةِ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا صَحَّ إِسْلَامُ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَهُوَ صَبِيٌّ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ: أَنَّ الْإِسْلَامَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَ مَنُوطًا بِالتَّمْيِيزِ. أَقُولُ: فَمَا دَلِيلُ النَّسْخِ بَعْدَهَا مِنَ الْحَدِيثِ، أَوِ الْكَلَامِ، أَوْ إِجْمَاعِ الْأَعْلَامِ؟ ثُمَّ قَالَ عَلَى: إِنَّ قَوْلَهُ: أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ، صَرِيحٌ فِي بُلُوغِهِ إِذِ الْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ، فَلَمَّا أَعْلَمَهُ أَخْبَرَ بِهِ اهـ.
وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الْمُدَّعَى، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْأَطْفَالِ خِلَافِيَّةٌ، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَأَيْضًا لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَعَ بَعْدَ تَقَرُّرِ أَنَّ الْأَطْفَالَ فِي الْجَنَّةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ، فَالْمُرَادُ أَنْقَذَهُ اللَّهُ بِي وَبِسَبَبِي لَا بِسَبَبٍ آخَرَ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ زِيَادَةُ رِفْعَةِ دَرَجَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي تَكْثِيرِ أُمَّتِهِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: " مِنَ النَّارِ " الْكُفْرُ الْمُسَمَّى نَارًا ; لِأَنَّهُ سَبَبُهَا، أَوْ يَؤُولُ إِلَيْهَا، وَأَيْضًا بَوْنٌ بَيْنَ مَا يَكُونُ الشَّخْصُ مُؤْمِنًا مُسْتَقِلًّا فِي الْجَنَّةِ فِي الْمَرْتَبَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ مَخْدُومًا مُعَظَّمًا، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ فِيهَا تَابِعًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ خَادِمًا لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ» " مَا يَمْنَعُ سَبْقَ عَذَابِهِمْ فِي النَّارِ. وَالْمَسْأَلَةُ غَيْرُ صَافِيَةٍ، وَالْأَدِلَّةُ غَيْرُ شَافِيَةٍ، وَلِذَا تَحَيَّرَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَتَوَقَّفَ فِيهَا إِمَامُ الْفُقَهَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَشْيَاءِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute