١٦١٤ - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «جَلَسْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَّرَنَا وَرَقَّقَنَا فَبَكَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ، فَقَالَ يَا لَيْتَنِي مِتُّ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَا سَعْدُ، أَعِنْدِي تَتَمَنَّى الْمَوْتَ " فَرَدَّدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: " يَا سَعْدُ، إِنْ كُنْتَ خُلِقْتَ لِلْجَنَّةِ فَمَا طَالَ عُمْرُكَ وَحَسُنَ مِنْ عَمَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
١٦١٤ - (وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: مُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ. (فَذَكَّرَنَا) بِالتَّشْدِيدِ أَيِ: الْعَوَاقِبَ أَوْ وَعَظَنَا. (وَرَقَّقَنَا) أَيْ: زَهَّدَنَا فِي الدُّنْيَا، وَرَغَّبَنَا فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: رَقَّقَ أَفْئِدَتَنَا بِالتَّذْكِيرِ. (فَبَكَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي مِتُّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا أَيْ: فِي الصِّغَرِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ مُطْلَقًا حَتَّى أَسْتَرِيحَ مِمَّا اقْتَرَفْتُ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: رَسُولُ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَعْدُ، أَعِنْدِي) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِنْكَارِ. (تَتَمَنَّى الْمَوْتَ؟) يَعْنِي لِتَمَنِّيهِ بَعْدِي وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِي فَكَيْفَ يُطْلَبُ الْعَدَمُ؟ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ تَمَنِّيهِ ; لِمَا فِيهِ مِنَ النَّقْصِ وَعَدَمِ الرِّضَا، وَفِيهِ أَنَّ تَمَنِّيَهُ لَمْ يَكُنْ مُبَيِّنًا عَلَى عَدَمِ الرِّضَا مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نُقْصَانٍ فِي دِينِهِ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعُلَمَاءُ. (فَرَدَّدَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ذَلِكَ) أَيْ: يَا سَعْدُ إِلَخْ. (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِتَأْكِيدِ الْإِنْكَارِ، أَوْ لِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. (ثُمَّ قَالَ: يَا سَعْدُ، إِنْ كُنْتَ) أَيْ لَا وَجْهَ لِتَمَنِّي الْمَوْتِ فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ. (خُلِقْتَ لِلْجَنَّةِ فَمَا طَالَ عُمْرُكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْوَقْتُ مُقَدَّرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيِ: الزَّمَانُ الَّذِي طَالَ فِيهِ عُمْرُكَ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً. (وَحَسُنَ مِنْ عَمَلِكَ) وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ مِنْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنْ زَائِدَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَيْ: حَسُنَ بَعْضُ عَمَلِكَ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً مِنْ ضَمِيرِ حَسُنَ. (فَهُوَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ طُولِ الْعُمْرِ وَحُسْنِ الْعَمَلِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ. (خَيْرٌ لَكَ) وَحُذِفَ الشِّقُّ الْآخَرُ مِنَ التَّرْدِيدِ، وَهُوَ وَإِنْ كُنْتَ خُلِقْتَ لِلنَّارِ فَلَا خَيْرَ فِي مَوْتِكَ، وَلَا يَحْسُنُ الْإِسْرَاعُ إِلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْحَذْفِ مِنَ اللُّطْفِ، وَالْجُمْلَةُ جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ: إِنْ كُنْتَ خُلِقْتَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ هُوَ مِنَ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرَةِ فَكَيْفَ قَالَ: إِنْ كُنْتَ، أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعْلِيلُ لَا الشَّكُّ أَيْ: كَيْفَ تَتَمَنَّى الْمَوْتَ عِنْدِي وَأَنَا بَشَّرْتُكَ بِالْجَنَّةِ؟ أَيْ: لَا تَتَمَنَّ لِأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَكُلَّمَا طَالَ عُمْرُكَ زَادَتْ دَرَجَتُكَ، وَنَظِيرُهُ فِي التَّعْلِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٣٩] فَقِيلَ لَهُ: الشَّهَادَةُ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَبْتَ، وَهِيَ إِمَّا تَحْصُلُ بِالْجِهَادِ وَيُعَضِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «عَنْ سَعْدٍ: أَنَّهُ قَالَ: أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ لَكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ» اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ التَّرْدِيدَ فَرْضِيٌّ، وَتَقْدِيرِيٌّ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْبِشَارَةَ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَى حَالٍ وَقْتَ الْبِشَارَةِ ; وَلِهَذَا مَا أَزَالَتْ عَنْهُمُ الْخَوْفَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَسَبْقِ عَذَابِ النَّارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَعَ جَوَازِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَعَ لَهُ قَبْلَ الْبِشَارَةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute