فَتَأَمَّلْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: رَوْحٌ أَيِ: اسْتِرَاحَةٌ، وَلَوْ رُوِيَ بِالضَّمِّ كَانَ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ ; لِأَنَّهَا كَالرُّوحِ لِلْمَرْحُومِ. قُلْتُ: قَدْ جَاءَ الْفَتْحُ أَيْضًا بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: ٨٧] ، وَقِيلَ: الْبَقَاءُ أَيْ: هَذَانِ لَهُ مَعًا، وَهُوَ الْخُلُودُ وَالرِّزْقُ، وَقَوْلُهُ: وَرَبٍّ. هَذَا مُقَرِّرٌ لِلْأَوَّلِ عَلَى الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] وَنَحْوُهُ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ - ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧ - ٢٨] وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الرُّوحَ بِضَمِّ الرَّاءِ بِمُخَالِفٍ لِلرِّوَايَةِ. (فَلَا تَزَالُ) أَيِ: النَّفْسُ. (يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِشَارَةِ زِيَادَةً فِي سُرُورِهَا بِسَمَاعِهَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهَا. (حَتَّى تَخْرُجَ) أَيْ: بِطَيِّبَةٍ. (ثُمَّ يُعْرَجُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ. (بِهَا إِلَى السَّمَاءِ) أَيِ: الدُّنْيَا. (فَيُفْتَحُ لَهَا) أَيْ: بَعْدَ الِاسْتِفْتَاحِ أَوْ قَبْلَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ: تَطْلُبُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَهَا أَنْ يُفْتَحَ لَهَا فَلَا وَجْهَ لَهُ فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ فَيُسْتَفْتَحُ مَكَانَ يُفْتَحُ. (فَيُقَالُ) أَيْ: يَقُولُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ. (مَنْ هَذَا فَيَقُولُونَ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَيُقَالُ: أَيْ: يَقُولُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ الَّذِينَ مَعَهُ: (فُلَانٌ) أَيْ: هَذَا فُلَانٌ أَيْ: رُوحُهُ. (فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ) وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَعَ كَوْنِهِمْ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ يَعْرِفُونَ كُلَّ إِنْسَانٍ بِاسْمِهِ وَعَمَلِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى خَطَؤُهُ ; إِذِ الْعُلْوِيُّونَ مَا اطَّلَعُوا عَلَى اسْمِهِ إِلَّا بِالسُّؤَالِ مِنْ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، وَقَامُوا بِصُعُودِ رُوحِهِ، وَفَتْحِ بَابِ سَمَائِهِ عَلَى طِيبِ عَمَلِهِ. (ادْخُلِي) أَيْ: فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَا أَوْ فِي عِبَادِي أَيْ: مَحَلِّ أَرْوَاحِهِمْ. (حَمِيدَةً) أَيْ: مَحْمُودَةً أَوْ حَامِدَةً. (وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا تَزَالُ) أَيْ: هِيَ. (يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَمْرِ بِالدُّخُولِ وَالْبِشَارَةِ بِالصُّعُودِ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ. (حَتَّى تَنْتَهِيَ) أَيْ: تَصِلَ. (إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ) أَيْ: أَمْرُهُ وَحُكْمُهُ أَيْ: ظُهُورُ مُلْكِهِ وَهُوَ الْعَرْشُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: رَحْمتُهُ بِمَعْنَى الْجَنَّةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَزَادَ الطِّيبِيُّ فَقَالَ: وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٠٧] فَيُطَابِقُ فِي حَدِيثِ الْآيَتَيْنِ، وَهُمَا: (وَادْخُلِي جَنَّتِي) ، (وَجَنَّةَ نَعِيمٍ) ، قُلْنَا: مَا فِي دُخُولِهَا الْجَنَّةَ الَّتِي هِيَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ، كَمَا فِي حَدِيثِ وُصُولِهَا إِلَى الْفَلَكِ الْأَطْلَسِ، وَالْمَقَامِ الْأَقْدَسِ، وَيُنَاسِبُهُ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ، مَعَ أَنَّ كَوْنَ الْجَنَّةِ فِي سَمَاءٍ بِعَيْنِهَا، لَا يُعْرَفُ لَهُ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ بَلْ قَالَ تَعَالَى: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: ١٣٣] .
(فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ) بِالرَّفْعِ وَقِيلَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ أَوْ نَاقِصَّةٌ. (السُّوءُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا صِفَةُ الرَّجُلِ، وَأَمَّا تَجْوِيزُ ابْنِ حَجَرٍ رَفْعَ الْأَوَّلِ وَنَصْبَ الثَّانِي فَمُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ ثُمَّ قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ أَيْ: فَإِذَا وَجَدَ أَيْ: وَجَدَهُ أَعْنِي الْكَافِرَ أَوِ الْفَاسِقَ غَيْرَ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ أَنَّ الْأَوْصَافَ الْآتِيَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَادَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَيَانُ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالسُّكُوتِ عَنْ حَالِ الْفَاجِرِ لُطْفًا وَرَحْمَةً لِيَكُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ. (قَالَ) أَيْ: مَلَكُ الْمَوْتِ أَوْ رَئِيسُ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُطَابِقُ مَا سَبَقَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ. (اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ) أَيِ: اعْتِقَادًا أَوْ أَحْوَالًا. (كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ) أَيْ: أَعْمَالًا. (اخْرُجِي ذَمِيمَةً) أَيْ: مَذْمُومَةً. (وَأَبْشِرِي) قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْتِعَارَةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢١] أَوْ عَلَى الْمُشَاكَلَةِ وَالِازْدِوَاجِ، وَحَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ مُقَابِلٌ لِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ. (بِحَمِيمٍ) أَيْ: مَاءٍ حَارٍّ غَايَةَ الْحَرَارَةِ. (وَغَسَّاقٍ) بِتَخْفِيفٍ وَتَشْدِيدٍ مَا يَغْسِقُ أَيْ: يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ، وَقِيلَ: الْبَارِدُ الْمُنْتِنُ، قِيلَ: لَوْ قَطَرَتْ فِي الْمَشْرِقِ لَنَتَّنَتْ أَهْلَ الْمَغْرِبِ، وَعَنِ الْحَسَنِ: الْغَسَّاقُ عَذَابٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. (وَآخَرَ) أَيْ: بِعَذَابٍ آخَرَ وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ: وَبِأَنْوَاعٍ أُخَرَ مِنَ الْعَذَابِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ: وَضُرُوبٌ أُخَرُ مَذُوقَةٌ وَيَصِحُّ فَتْحُ أَوَّلِهِ وَنَوْعٌ آخَرُ فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ ; لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: بِمَدِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ جَعْلُهُ الْجَمْعَ أَصْلًا، وَتَجْوِيزُ الْمُفْرَدِ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأُصُولُ الْمُعْتَمَدَةُ وَالنُّسَخُ الْمُصَحَّحَةُ. (مِنْ شَكْلِهِ) أَيْ: مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَرَارَةِ وَالْمَرَارَةِ. (أَزْوَاجٍ) بِالْجَرِّ أَيْ: أَصْنَافٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: وَأُخَرُ أَيْ: مَذُوقَاتٌ أُخَرُ مِثْلُ الْغَسَّاقِ فِي الشِّدَّةِ وَالْفَظَاعَةِ أَزْوَاجٌ أَجْنَاسٌ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَلَا وَجْهَ لِإِرْجَاعِهِ الضَّمِيرَ إِلَى الْغَسَّاقِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَقْرَبَ مَذْكُورٍ، فَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ إِفْرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute