للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٦٣٤ - عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي ". فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حَقْوَهُ، فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: " «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا: ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَقَالَتْ: فَضَفَّرْنَا شَعَرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ أَيْ: آدَابِهِمَا.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٦٣٤ - (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) : اسْمُهَا نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، بِنْتِ كَعْبٍ، وَقِيلَ: بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيَّةُ، بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُمَرِّضُ الْمَرْضَى، وَتُدَاوِي الْجَرْحَى، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا) أَيْ: مَعْشَرَ النِّسَاءِ. (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ) قِيلَ: هِيَ زَوْجَةُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: أُمُّ كُلْثُومٍ زَوْجَةُ عُثْمَانَ، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ. (فَقَالَ: " «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» ) ": وَفِي رِوَايَةٍ كَمَا سَيَأْتِي: " أَوْ سَبْعًا "، " أَوْ فِيهِ " لِلتَّرْتِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ، إِذْ لَوْ حَصَلَ النَّقَاءُ بِالْأَوَّلُ اسْتُحِبَّ التَّثْلِيثُ، وَكُرِهَ التَّجَاوُزُ عَنْهُ، وَإِنْ حَصَلَ بِالثَّانِيَةِ أَوْ بِالثَّالِثَةِ اسْتُحِبَّ التَّخْمِيسُ، وَإِلَّا فَالتَّسْبِيعُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ الْمَلَكِ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ " أَوْ " هُنَا تَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَارِجٍ عَنِ الْأَمْرِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ) لَا يَنْفِي التَّخْيِيرَ. (" أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ) " بِكَسْرِ الْكَافِ خِطَابٌ لِمَنْ يَتَلَقَّى الْكَلَامَ عَنْهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ خِطَابُ الْعَامِّ، أَوْ نَزَلَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ مَنْزِلَةَ الرَّجُلِ فِي قِيَامِهَا بِهَذَا الْأَمْرِ. (إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ أَيِ: الْأَكْثَرَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: خِطَابٌ لِأُمِّ عَطِيَّةَ، وَرَأَيْتُ مِنَ الرَّأْيِ أَيْ: إِنِ احْتَجْتُنَّ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ لِلْإِنْقَاءِ لَا لِلتَّشَهِّي فَافْعَلْنَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: خِطَابٌ لِأُمِّ عَطِيَّةَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْخِطَابَ فِي ذَلِكِ ; لِأَنَّ رَأَيْتُنَّ خِطَابٌ لِلنِّسَاءِ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ} [البقرة: ٢٣٢] ، فَإِنَّهَا كَانَتْ رَئِيسَتَهُمْ، فَخُصَّتْ بِالْخِطَابِ أَوَّلًا، ثُمَّ عُمِّمْنَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ فِي رَأَيْتُنَّ أَيْضًا لَهَا إِمَّا عَلَى التَّعْظِيمِ أَوْ تَنْزِيلًا مَنْزِلَةَ الْجَمَاعَةِ، حَيْثُ مَدَارُ رَأْيِهِنَّ عَلَى رَأْيِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِاغْسِلْنَهَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ السِّدْرِ فِي جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ، وَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَرَّةِ الْأُولَى لِيُزِيلَ الْأَقْذَارَ، وَيَمْنَعَ عَنْهُ تَسَارُعَ الْفَسَادِ، وَيَدْفَعَ الْهَوَامَّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ لَا أَصْلُ التَّطْهِيرِ، وَإِلَّا فَالْمَاءُ كَافٍ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَسْخِينَ الْمَاءِ كَذَلِكَ بِمَا يُرِيدُ فِي تَحْقِيقِ الْمَطْلُوبِ، فَكَانَ مَطْلُوبًا شَرْعِيًّا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لَا يُغْلَى، قِيلَ: يَبْدَأُ بِالْقَرَاحِ أَوَّلًا لِيَبْتَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ بِالْمَاءِ أَوَّلًا، فَيَتِمَّ قَلْعُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، ثُمَّ يَحْصُلُ تَطَيُّبُ الْبَدَنِ بَعْدَ النَّظَافَةِ بِمَاءِ الْكَافُورِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُغْسَلَ بِالسِّدْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ الْهِدَايَةِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ «كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، يَغْسِلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ» ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.

(وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ) أَيِ: الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ. (كَافُورًا أَوْ شَيْئًا) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. (مِنْ كَافُورٍ) : وَهُوَ لِدَفْعِ الْهَوَامِّ. (فَإِذَا فَرَغْتُنَّ) أَيْ: مِنْ غَسْلِهَا. (فَآذِنَّنِي) : بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْأُولَى، أَمْرٌ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْإِيذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَالنُّونُ الْأُولَى أَصْلِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ فَاعِلٍ، وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ، وَالثَّالِثَةُ لِلْوِقَايَةِ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ، وَيَجُوزُ فِيهِ إِسْكَانُ الْهَمْزِ وَفَتْحُ الذَّالِ، لَكِنْ لَمْ نَجِدْهُ فِي نُسْخَةٍ. (فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ) : بِالْمَدِّ أَيْ: أَعْلَمْنَاهُ بِالْفَرَاغِ. (فَأَلْقَى إِلَيْنَا حَقْوَهُ) : فِي النِّهَايَةِ: أَيْ: إِزَارَهُ الْمَشْدُودَ بِهِ خَصْرُهُ، وَالْحَقْوُ: فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْإِزَارُ لِمُجَاوَرَتِهِ. (فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا) أَيِ: الْمَيِّتَةَ. (إِيَّاهُ) أَيِ: الْحَقْوَ، وَالْخِطَابُ لِلْغَاسِلَاتِ. فِي النِّهَايَةِ: أَيِ: اجْعَلْنَهُ شِعَارَهَا، وَالشِّعَارُ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ لِأَنَّهُ يَلِي شَعَرَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ: اجْعَلْنَ هَذَا الْحَقْوَ تَحْتَ الْأَكْفَانِ بِحَيْثُ يُلَاصِقُ بَشَرَتَهَا، وَالْمُرَادُ إِيصَالُ الْبَرَكَةِ إِلَيْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: " «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا: ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا» " وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى السَّبْعِ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ مَا وَرَدَ فِي عَدَدِ التَّطْهِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَوْ تِسْعًا وَهَكَذَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى السَّبْعِ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ النَّقَاءُ بِهَا بَلْ بِدُونِهَا فَمَحَلُّ بَحْثٍ. (وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا) أَيْ: مِنَ الْيَدِ وَالْجَنْبِ وَالرِّجْلِ. (وَمَوَاضِعَ الْوُضُوءِ مِنْهَا) وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَيُقَدَّمُ مَوَاضِعُ الْوُضُوءِ الْمَفْرُوضَةِ فَلَا مَضْمَضَةَ وَلَا اسْتِنْشَاقَ عِنْدِنَا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً يَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ، وَلَهَاتَهُ، وَشَفَتَيْهِ، وَمَنْخَرَيْهِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ وَلَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ مِنَ الْغُسْلِ، وَلَا يُقَدِّمَ غَسْلَ يَدَيْهِ، بَلْ يَبْدَأُ بِوَجْهِهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ ; لِأَنَّهُ يَتَطَهَّرُ بِهِمَا، وَالْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِيَدِ غَيْرِهِ. (وَقَالَتْ) : أُمُّ عَطِيَّةَ فِي جُمْلَةِ حَدِيثِهَا. (فَضَفَرْنَا) : بِالتَّخْفِيفِ. (شَعَرَهَا) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ، وَالضَّفْرُ: فَتْلُ الشَّعَرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنَ الضَّفِيرَةِ، وَهِيَ النَّسْجُ، وَمِنْهُ ضَفْرُ الشَّعَرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ. (ثَلَاثَةَ قُرُونٍ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ: أَقْسَامٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِفَتْلِ شَعَرِهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ مُرَاعَاةُ عَادَةِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ مُرَاعَاةُ سُنَّةِ عَدَدِ الْوَتْرِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ. (فَأَلْقَيْنَاهَا) أَيِ: الضَّفَائِرَ. (خَلْفَهَا) أَيْ: وَرَاءَ ظَهْرِهَا اهـ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَضَفَّرْنَا نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَفِي أُخْرَى: فَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا، ذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: تُتْرَكُ عَلَى حَالِهَا مِنْ غَيْرِ تَضْفِيرٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) إِلَّا قَوْلَهَا: فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا، فَإِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ فَقَطْ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ أَيْضًا، قَالَهُ مِيرَكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>