عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا فِيهِ التَّغْلِيظُ عَلَى الْجُلُوسِ لِلْحَدَثِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَمَا لَا تَغْلِيظَ فِيهِ عَلَى الْجُلُوسِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَالِاتِّكَاءُ وَالِاسْتِنَادُ كَالْجُلُوسِ الْمُطْلَقِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ الْقُعُودِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الِاتِّكَاءُ وَالِاسْتِنَادُ وَدَوْسُهُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ مَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ تَنْزِيهًا، وَغَلَطٌ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَإِنِ انْتَصَرَ لَهُ بَعْضُهُمْ، بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ لِلْخَبَرِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ، وَتَفْسِيرُ رَاوِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ، وَقَدْ فَسَّرَ فِي الْحَدِيثِ الْقُعُودَ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، عَلَى أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَاهُ فِي مُسْنَدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ: مَنْ جَلَسَ عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ، وَهَذَا حَرَامٌ إِجْمَاعًا، فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، قَالَ: وَلَا يُكْرَهُ دَوْسُهُ لِحَاجَةٍ كَحَفْرٍ، أَوْ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ زِيَارَةٍ، وَلَوْ لِأَجْنَبِيٍّ لِلِاتِّبَاعِ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلِأَنَّهُ مَعَ الْحَاجَةِ لَيْسَ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِهِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الْبِلَى، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا حُرْمَةَ، وَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ أَيْضًا اهـ. وَفِي اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ لِغَيْرِ الْحَفْرِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي تَقْيِيدِهِ بِمَا قَبْلَ الْبِلَى لِمُعَارَضَتِهِ ظَاهِرَ النُّصُوصِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute