مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. (وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى قُرْبِهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: أُضَمُّ إِلَيْهِ فِي الدَّفْنِ. (مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي) فِي الْأَزْهَارِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ عَلَّامَةٌ يُعْرَفُ بِهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُعَلِّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي» ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْمَعَ الْأَقَارِبُ فِي مَوْضِعٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» ، وَكَانَ عُثْمَانُ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ دُفِنَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ ابْنُهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: سَمَّاهُ أَخَاهُ لِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ كَانَ قُرَشِيًّا، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ، وَكَانَ مِمَّنْ حَرَّمَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ: لَا أَشْرَبُ مَا يُضْحِكُ بِيَ مَنْ هُوَ دُونِي، وَقَالَ السُّلَمِيُّ: وَكَانَ عُثْمَانُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ دَفْنٍ بِالْبَقِيعِ، وَمَنْ هَاجَرَ بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبَ بِنْتِهِ بَعْدَ أَنْ مَاتَتِ الْحَقِي بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ: عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّهُ «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَأُخْتِهِ زَيْنَبَ لَمَّا تُوُفِّيَا: الْحَقَا بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ: عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» فَغَيْرُ مَحْفُوظٍ بِالنِّسْبَةِ لِإِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ مُتَقَدِّمِي أَئِمَّتِنَا: وَيُسَنُّ وَضْعُ أُخْرَى عِنْدَ رِجْلِهِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ حَجَرَيْنِ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَرَدَ بِأَنَّ الْمَحْفُوظَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ حَجَرٌ وَاحِدٌ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْحَجَرَ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ التَّعَدُّدَ، مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرِّرَةَ التَّعَارُضَ عَلَى تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْوَاحِدِ أَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَأَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَفِي إِسْنَادِهِ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ مَوْلَى الْأَسْلَمِيِّينَ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ اهـ. فَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: مِنْ أَنَّ سَنَدَهُ جَيِّدٌ مُحْتَاجٌ إِلَى الِانْتِقَادِ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ النُّقَّادُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute