١٧١٨ - وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِالْحُبْشِيِّ وَهُوَ مَوْضِعٌ فَحُمِلَ إِلَى مَكَّةَ فَدُفِنَ بِهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أَتَتْ قَبْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ، لَوْ حَضَرْتُكَ مَا دُفِنْتَ إِلَّا حَيْثُ مُتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
١٧١٨ - (وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ. (قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) أَيِ: الصِّدِّيقُ. (بِالْحُبْشِيِّ) فِي النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ، وَكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، مَوْضِعٌ) قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَبَلٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ. (وَهُوَ مَوْضِعُ تَفْسِيرٍ مِنَ الرَّاوِي يَحْتَمِلُ الْقَوْلَيْنِ. (فَحُمِلَ) أَيْ: نُقِلَ. (إِلَى مَكَّةَ فَدُفِنَ بِهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ) أَيْ: مَكَّةَ. (أَتَتْ قَبْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ: أَخِيهَا. (فَقَالَتْ) أَيْ: مُنْشِدَةً مُشِيرَةً إِلَى أَنَّ طُولَ الِاجْتِمَاعِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ زَوَالِهِ يَكُونُ كَأَقْصَرِ زَمَنٍ وَأَسْرَعِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْفَانِي جَمِيعُهُ، قَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: ٣٥] وَلِذَا قِيلَ: الدُّنْيَا سَاعَةٌ فَاجْعَلْهَا طَاعَةً. (وَكُنَّا) أَيْ: إِنَّا وَإِيَّاكَ حَالَ حَيَاتِكَ مُتَقَارِبَيْنِ، وَمُتَصَاحِبَيْنِ وَمُتَحَابَّيْنِ. (كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّصْغِيرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَجَذِيمَةُ هَذَا كَانَ مَلِكًا بِالْعِرَاقِ وَالْجَزِيرَةِ، وَضَمَّ إِلَيْهِ الْعَرَبَ، وَهُوَ صَاحِبُ الزَّبَّاءِ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الزَّبَّاءُ مَلِكَةُ الْجَزِيرَةِ، وَتُعَدُّ مِنْ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ أَيْ: كَنَدِيمِيْهِ وَجَلِيسَيْهِ وَأَنِيسَيْهِ، قِيلَ: نَدْمَانَاهُ الْفَرْقَدَانِ. (حِقْبَةً) بِكَسْرٍ أَيْ: مُدَّةً لَا وَقْتَ لَهَا. (مِنَ الدَّهْرِ) أَيِ: الزَّمَانِ. (حَتَّى قِيلَ) : أَيْ: إِلَى أَنْ قَالَ النَّاسُ: إِنَّهُمَا (لَنْ يَتَصَدَّعَا) أَيْ: لَنْ يَتَفَرَّقَا) أَبَدًا، تَوَهَّمَا أَنَّ طُولَ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعِ يَدُومُ. (فَلَمَّا تَفَرَّقَا أَيْ: بِالْمَوْتِ. (كَأَنِّي وَمَالِكٌ) هُوَ أَخُو الشَّاعِرِ الْمَيِّتِ (لِطُولِ اجْتِمَاعٍ) أَيْ: عِنْدَهُ. (لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً) أَيْ: سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ. (مَعًا) أَيْ: مُجْتَمَعَيْنِ لِمَا تَقَرَّرُ أَنَّ الْفَانِيَ إِذَا انْقَطَعَ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، قَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: ٢٤] وَقِيلَ: اللَّامُ فِي طُولٍ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ بَعْدَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكَ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] وَمِنْهُ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، أَيْ: بَعْدَهَا، قَالَ الشَّمَنِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي: وَهَذَا الْبَيْتُ لِتَمِيمِ بْنِ نُوَيْرَةَ، يَرْثِي أَخَاهُ مَالِكًا، الَّذِي قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. (ثُمَّ قَالَتْ) أَيْ: عَائِشَةُ. (وَاللَّهِ لَوْ حَضَرْتُكَ) أَيْ: وَقْتَ الدَّفْنِ، وَقَالَ مِيرَكُ: أَيْ: حَضَرْتُ وَفَاتَكَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَدَفْنَكَ. (مَا دُفِنْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ. (إِلَّا حَيْثُ مُتَّ) أَيْ: مَنَعْتُكَ أَنْ تُنْقَلَ، وَقَدْ نُقِلَ بَحْثُ النَّقْلِ فِيمَا سَبَقَ، وَكَأَنَّهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَهَبَتْ إِلَى مَنْعِ النَّقْلِ مُطْلَقًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أَنَّ كُلَّ مَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ لَا يُمِيتُ اللَّهُ إِيَّاهُ فِي مَكَّةَ اهـ. وَهُوَ تَعْلِيلٌ غَرِيبٌ. (وَلَوْ شَهِدْتُكَ) أَيْ: حَضَرْتُ وَفَاتَكَ. (مَا زُرْتُكَ) أَيْ: ثَانِيًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ زَوَّارَتِ الْقُبُورِ» . وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَذَا قِيلَ، وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ إِنْ كَانَتْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ بِنَسْخِ ذَلِكَ، قُلْتُ: النَّاسِخُ قَوْلُهُ: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» "، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرُّخْصَةُ إِنَّمَا هِيَ الرِّجَالُ، فَلَعَلَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا مَا جَوَّزَتْ خُرُوجَ نِسَاءٍ إِلَى الْمَسَاجِدِ مَعَ تَجْوِيزِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّلَةً بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ عَلِمَ فَسَادَ نِسَاءِ الزَّمَانِ لَمَنَعَهُنَّ مِنَ الْخُرُوجِ ; لِأَنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كُنَّ مُعْتَدَّاتٍ أَبَدًا، فَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُنَّ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا لِحَاجَةٍ، كَالْحَجِّ أَوْ مُجَرَّدِ الزِّيَارَةِ، لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute