يُسَلِّمُ وَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ إِلَخْ.
قَالَ: «وَكَتَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذٍ يُعَزِّيهِ فِي ابْنٍ لَهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فَأَعْظَمَ اللَّهُ لَكَ الْأَجْرَ، وَأَلْهَمَكَ الصَّبْرَ، وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ الشُّكْرَ، فَإِنَّ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا، وَأَهْلِينَا وَأَوْلَادَنَا مِنْ مَوَاهِبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الْهَنِيئَةِ، وَعَوَارِيهِ الْمُسْتَوْدَعَةِ، مَتَّعَ بِهَا إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ، وَيَقْبِضُهَا لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ افْتَرَضَ عَلَيْنَا الشُّكْرَ إِذَا أَعْطَى، وَالصَّبْرَ إِذَا ابْتَلَى، فَكَانَ ابْنُكَ مِنْ مَوَاهِبِ اللَّهِ الْهَنِيئَةِ، وَعَوَارِيهِ الْمُسْتَوْدَعَةِ، مَتَّعَكَ بِهِ فِي غِبْطَةٍ وَسُرُورٍ، وَقَبَضَهُ مِنْكَ لِأَجْرٍ كَثِيرٍ، الصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْهُدَى إِنِ احْتَسَبْتَ فَاصْبِرْ، وَلَا يُحْبِطْ جَزَعُكَ أَجْرَكَ؛ فَتَنْدَمَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَزَعَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَا يَدْفَعُ حُزْنًا، وَمَا هُوَ نَازِلٌ فَكَانَ وَالسَّلَامُ» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ الْحَاكِمُ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَمِنَ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ وَالْقَضَايَا الْعَجِيبَةِ أَنَّهُ أَثْنَاءَ كِتَابَتِي هَذَا الْكِتَابَ وَقَعَ مِنْ قَضَاءِ رَبِّ الْأَرْبَابِ أَنْ مَاتَ لِي ابْنٌ اسْمُهُ حَسَنٌ، وَفِي الصُّورَةِ وَالسِّيرَةِ حَاوِي الْفَوَاضِلِ، وَجَامِعُ الْفَضَائِلِ، حَسَّنَ اللَّهُ مَثْوَاهُ، وَزَيَّنَ مَضْجَعَهُ وَمَأْوَاهُ، فَحَصَلَ لِي بِهَذَا الْحَدِيثِ تَعْزِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَتَسْلِيَةٌ شَامِلَةٌ، وَنَرْجُو مِنَ اللَّهِ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ مَعَ الْإِنَابَةِ التَّامَّةِ. (فَأَرْسَلَتْ) أَيِ: ابْنَتُهُ. (إِلَيْهِ) أَيْ: مَرَّةً أُخْرَى. (تُقْسِمُ عَلَيْهِ) أَيْ: تَحْلِفُ عَلَيْهِ. (لَيَأْتِيَنَّهَا) بِالنُّونِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) كُبَرَاءُ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَاؤُهُمْ. (وَرِجَالٌ) أَيْ: آخَرُونَ مِمَّنْ هُمْ دُونَهُمْ. (فَرُفِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ. (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ رُفِعَ الصَّبِيُّ عَلَى يَدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ وَضَعَهُ أَحَدٌ فِي حِجْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَنَفْسُهُ) أَيْ: رُوحُهُ. (تَتَقَعْقَعُ) أَيْ: تَضْطَرِبُ وَتَتَحَرَّكُ، وَلَا تَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (فَفَاضَتْ) سَالَتْ. (عَيْنَاهُ) وَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى نَزَلَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (فَقَالَ سَعْدٌ) أَيِ: الْمَذْكُورُ. (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟) الْبُكَاءُ أَيْ: مِنْكَ. (فَقَالَ: هَذِهِ) أَيِ: الدَّمْعَةُ. (رَحْمَةٌ) أَيْ: أَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيِ: التَّبْكِيَةُ مِنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ. (جَعَلَهَا) أَيْ: خَلَقَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ. (فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ) قَالَ مِيرَكُ: ظَنَّ سَعْدٌ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْبُكَاءِ حَرَامٌ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسِّيَ، فَأَعْلَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْبُكَاءِ وَدَمْعَ الْعَيْنِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَا مَكْرُوهٍ، بَلْ هُوَ رَحْمَةٌ وَفَضِيلَةٌ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ النَّوْحُ وَالنَّدْبُ، وَشَقُّ الْجُيُوبِ، وَضَرْبُ الْخُدُودِ. (فَإِنَّمَا) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ. (يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) جَمْعُ رَحِيمٍ بِمَعْنَى الرَّاحِمِ، أَيْ: وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ مَنِ اتَّصَفَ بِأَخْلَاقِهِ، وَيَرْحَمُ عِبَادَهُ، وَ (مِنْ) فِي: مِنْ عِبَادِهِ بَيَانِيَّةٌ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الرُّحَمَاءُ قَدَّمَهَا إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا يَكُونُ أَوْقَعَ اهـ كَلَامُ الطِّيبِيِّ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ (مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ: إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، فَمَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ اهـ. وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَأَرْبَابُ الْمَالِ مُتَخَلِّقُونَ بِأَخْلَاقِ ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، مُتَّصِفُونَ بِالرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ الشَّامِلَةِ، وَالرَّحْمَةِ الْخَاصَّةِ الْفَاضِلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute