للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالرَّفْعِ وَهِيَ الرَّابِعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ: وَا وَيْلَاهُ، وَا حَسْرَتَاهُ، وَالنُّدْبَةُ عِنْدَ شَمَائِلِ الْمَيِّتِ، مِثْلَ وَا شُجَاعَاهُ، وَا أَسَدَاهُ، وَا جَبَلَاهُ. (وَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (النَّائِحَةُ) أَيِ: الَّتِي صَنْعَتُهَا النِّيَاحَةُ. (وَإِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا) أَيْ: قَبْلَ حُضُورِ مَوْتِهَا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ أَنْ يَتُوبَ وَهُوَ يَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَيَتَمَكَّنُ مَنْ تَأَتِّي الْعَمَلِ الَّذِي يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينِ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ.} [النساء: ١٨] الْآيَةَ اهـ. وَبِهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا: أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مِنَ الْكَافِرِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَمِنَ الْمُؤْمِنِ مَقْبُولَةٌ كَرَامَةً لِإِيمَانِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ إِطْلَاقُ قَوْلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. (تُقَامُ) مَجْهُولٌ مِنَ الْإِقَامَةِ. (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِلْفَضِيحَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: تُحْشَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُقَامُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْوَقْفِ، جَزَاءً عَلَى قِيَامِهَا فِي الْمَنَاحَةِ، وَهُوَ الْأَمْثَلُ. (وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ) أَيْ: قَمِيصٌ مَطْلِيٌّ. (مِنْ قَطِرَانٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ، طِلَاءٌ يُطْلَى بِهِ، وَقِيلَ: دُهْنٌ يُدْهَنُ بِهِ الْجَمَلُ الْأَجْرَبُ، وَمَا ضَبَطْنَاهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي الْحَدِيثِ، وَعَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْآيَةِ أَيْضًا إِلَّا مَا شَذَّ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَطِرَانُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَظَرِبَانِ: عُصَارَةُ الْأَبْهَلِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا فَقَاصِرٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْقَطِرَانُ مَا يَنْحَلِبُ مِنْ شَجَرٍ يُسَمَّى الْأَبْهَلَ فَيُطْبَخُ، وَيُدْهَنُ بِهِ الْإِبِلُ الْجَرْبَاءُ، فَيَحْرِقُ الْجَرَبَ بِحَرَارَتِهِ وَحِدَّتِهِ الْجِلْدَ، وَقَدْ تَبْلُغُ حَرَارَتُهُ الْجَوْفَ. (وَدِرْعٌ) عَطْفٌ عَلَى سِرْبَالٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: دِرْعُ الْحَدِيدِ يُؤَنَّثُ، وَدِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا، السِّرْبَالُ الْقَمِيصُ مُطْلَقًا. (مِنْ جَرَبٍ) أَيْ: مِنْ أَجْلِ جَرَبٍ كَائِنٍ بِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يُسَلَّطُ عَلَى أَعْضَائِهَا الْجَرَبُ وَالْحِكَّةُ، بِحَيْثُ يُغَطِّي جِلْدَهَا تَغْطِيَةَ الدِّرْعِ، فَتُطْلَى مَوَاقِعُهُ بِالْقَطِرَانِ، لِتُدَاوَى فَيَكُونُ الدَّوَاءُ، أَدْوَى مِنَ الدَّاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَذْعِ الْقَطِرَانِ، وَإِسْرَاعِ النَّارِ فِي الْجُلُودِ، وَاللَّوْنِ الْوَحْشِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: خُصَّتْ بِدِرْعٍ مِنَ الْجَرَبِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَجْرَحُ بِكَلِمَاتِهَا الْمُحْرِقَةِ قُلُوبَ ذَوَاتِ الْمُصِيبَاتِ، وَتَحُكُّ بِهَا بَوَاطِنَهُنَّ ; فَعُوقِبَتْ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بِمَا يُمَاثِلُهُ فِي الصُّورَةِ، وَخُصَّتْ أَيْضًا بِسَرَابِيلَ مِنْ قَطِرَانٍ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ السُّودَ فِي الْمَآتِمِ، فَأَلْبَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى السَّرَابِيلَ لِتَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهَا، فَإِنْ قُلْتَ: ذَكَرَ الْخِلَالَ الْأَرْبَعَ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهَا الْوَعِيدَ سِوَى النِّيَاحَةِ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِيهِ؟ قُلْتُ: النِّيَاحَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالنِّسَاءِ، وَهُنَّ لَا يَنْزَجِرْنَ مِنْ هِجْرَانِهِنَّ انْزِجَارَ الرِّجَالِ، فَاحْتَجْنَ إِلَى مَزِيدِ الْوَعِيدِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ قَوْلِ: النَّائِحَةُ إِلَخْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَخَذَ أَئِمَّتُنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمَ النَّوْحِ، وَتَعْدِيدَ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ، بِنَحْوِ وَاكَهْفَاهُ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ وَالْبُكَاءِ، وَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْخَدِّ، وَشَقِّ الْجَيْبِ، وَنَشْرِ الشَّعْرِ وَحَلْقِهِ وَنَتْفِهِ، وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ، وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ عَلَى الرَّأْسِ، وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ: وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إِظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالتَّسْلِيمَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالُوا: وَمِنْ ذَلِكَ تَغْيِيرُ الزِّيِّ، وَلِبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِلُبْسِهِ، أَيْ: وَإِنِ اعْتِيدَ لُبْسُهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>