للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَنْبَغِي أَنْ يُوَطِّئَ وَيُمَهِّدَ لَهُ بِالدُّعَاءِ إِقَامَةً لِعُذْرِهِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَمِنْ ثَمَّ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيَانًا وَاعْتِذَارًا بِقَوْلِهَا. (مَا بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ أَوْ لِلِافْتِتَاحِ، يُؤْتَى بِهَا لِمُجَرَّدِ مَوْرِدِهِ الْخَاصِّ. (أَوْ أَخْطَأَ) فِي إِرَادَتِهِ الْعَامَّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَكِنَّهُ نَسِيَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَأَتَى بِغَيْرِهِ وَأَخْطَأَ مِنْهُ، إِلَى غَيْرِهِ اهـ. وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى مَعَ عَدَمِ مُلَاءَمَتِهِ بِقَوْلِهَا: (إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ: إِنَّهُمْ) أَيِ: الْيَهُودُ (لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا) أَيِ: الْيَهُودِيَّةَ. (لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا) أَيْ: لِكُفْرِهَا أَوْ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهَا) ، وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ كَافِرٍ وَفَاجِرٍ يُعَذَّبُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَارِدٌ لَوْ لَمْ يُسْمَعِ الْحَدِيثُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْرِدِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَبِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ بَلْ مُطْلَقَةٌ، دَخَلَ هَذَا الْخُصُوصُ تَحْتَ ذَلِكَ الْعُمُومِ، فَلَا مُنَافَاةَ وَلَا مُعَارَضَةَ، فَيَكُونُ اعْتِرَاضُهَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهَا. قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ: اخْتَلَفُوا فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ: فَقِيلَ: إِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِذَلِكَ فَيُعَذَّبُ بِسَبَبِهِ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، وَقِيلَ: هَذَا الْقَوْلُ فِي حَقِّ مَيِّتٍ خَاصٍّ كَانَ يَهُودِيًّا، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَذْكُرُونَ فِي بُكَائِهِمْ وَنَوْحِهِمْ مِنْ أَخْبَارِهِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا يَكُونُ مَذْمُومًا شَرْعًا، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا يَقَعُ فِي الْبُكَاءِ مِنَ الْأَلْفَاظِ. قَالَ: وَعِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ هُوَ الْأَلَمَ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ إِذَا سَمِعَهُمْ يَبْكُونَ، أَوْ بَلَغَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ تَأَلُّمٌ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رُوِّينَا: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَاتَ لَهَا وَلَدٌ فَوَجَدَتْ عَلَيْهِ وَجْدًا شَدِيدًا، ثُمَّ رَحَلَتْ فِي بَعْضِ مَقَاصِدِهَا إِلَى الْمَغْرِبِ، فَحَضَرَ يَوْمُ الْعِيدِ وَعَادَتُهَا فِي بَلَدِهَا أَنْ تَخْرُجَ كُلَّ يَوْمِ عِيدٍ إِلَى الْمَقَابِرِ تَبْكِي عَلَى وَلَدِهَا، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ فِي بَلَدِهَا خَرَجَتْ إِلَى مَقَابِرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، فَفَعَلَتْ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ، وَأَكْثَرَتِ الْبُكَاءَ وَالْوَيْلَ ثُمَّ نَامَتْ، فَرَأَتْ أَهْلَ الْمَقْبَرَةِ قَدْ هَاجُوا يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، هَلْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَلَدٌ؟ ! فَقَالُوا: لَا. فَقَالُوا: كَيْفَ جَاءَتْ عِنْدَنَا تُؤْذِينَا بِبُكَائِهَا؟ ! ثُمَّ ذَهَبُوا وَضَرَبُوهَا ضَرْبًا وَجِيعًا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَتْ وَجَدَتْ أَلَمَ ذَلِكَ الضَّرْبِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ تَأْلَمُ مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ، وَتَفْرَحُ مِنَ اللَّذَّاتِ فِي الْبَرْزَخِ، كَمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ أَحْوَالَ الْأَحْيَاءِ، وَمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَوَرَدَ أَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِالزِّيَارَاتِ، وَيَأْلَمُونَ بِانْقِطَاعِهَا، وَلَمَّا كَانَ الْبُكَاءُ، وَالْعَوِيلُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ تَتَأَذَّى بِهِ الْأَرْوَاحُ وَتَنْقَبِضُ، كَانَ كَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّعْذِيبِ الْمَنْفِيِّ الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ مُسْتَدِلَّةً بِالْآيَةِ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَأَقُولُ: لَا شَكَّ فِي تَأَذِّي الْأَرْوَاحِ بِمَا تَتَأَذَّى بِهِ الْأَشْبَاحُ، وَهُوَ مَحْمَلٌ حَسَنٌ، وَتَأْوِيلٌ مُسْتَحْسَنٌ، لَوْلَا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِقَابِ بِقَوْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الرِّوَايَةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>