للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَوِ افْتِضَاحًا، قِيلَ فِي الْآيَةِ {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: ٣١] وَأُجِيبُ بِأَنَّ الظُّهُورَ يَشْمَلُ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا، أَوْ ذَاكَ فِي أَوْزَارِ الْكُفَّارِ، وَهَذَا فِي أَوْزَارِ الْفُجَّارِ، لِمَزِيدِ قُبْحِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِيهَا حَقَّ اللَّهِ، وَحَقَّ عِبَادِهِ (إِنْ كَانَ) أَيِ الْمَأْخُوذُ (بَعِيرًا لَهُ) أَيْ لِلْبَعِيرِ (رُغَاءً) بِضَمِّ الرَّاءِ صَوْتٌ لِلْبَعِيرِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ فَلَهُ رُغَاءٌ فَحَذَفَ الْفَاءَ مِنَ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَهُوَ سَائِغٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ شَائِعٍ. اهـ (أَوْ بَقَرًا لَهُ خُوَارٌ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ صَوْتُ الْبَقَرِ (أَوْ شَاةً) بِالنَّصْبِ (تَيْعِرُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَفَتْحِهَا أَيْ تَصِيحُ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْعَرَصَاتِ فَيَكُونُ أَشْهَرَ فِي فَضِيحَتِهِ وَأَكْثَرَ فِي سَلَامَتِهِ (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ وَبَالَغَ فِي رَفْعِهِمَا (حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبِطَيْهِ) أَيْ بَيَاضَهُمَا، وَالْعُفْرَةُ بِالضَّمِّ بَيَاضٌ لَيْسَ بِخَالِصٍ، وَلَكِنْ كَلَوْنِ الْعُفَرِ بِالتَّحْرِيكِ، أَيِ التُّرَابِ، أَرَادَ مَنْبَتَ الشَّعْرِ مِنَ الْإِبِطَيْنِ لِمُخَالَطَةِ بَيَاضِ الْجِلْدِ سَوَادَ الشَّعْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ نَتْفِ الشَّعْرِ، أَوْ حَلْقِهِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يُرَى مِنَ الْبُعْدِ (ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ) أَيِ الْوَعِيدَ أَوْ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ) كَرَّرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّقْرِيرِ، وَقِيلَ هَلْ بِمَعْنَى قَدْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ: هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ) كَذَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ إِمَّا كَذَا فِي رِوَايَتِهِ، وَإِمَّا نُقِلَ بِالْمَعْنَى، وَلَكِنْ مُقْتَضَى الْمَقَامِ تَقْدِيمُ الْأَبِ فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِزِيَادَةِ الْإِكْرَامِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ " بَيْتِ أُمِّهِ " مَحْمُولًا عَلَى التَّنَزُّلِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ، فَفِيهِ تَهْجِينٌ لِحَالِهِ (فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إِلَيْهِ) وَهَذَا أَيْضًا تَفْسِيرٌ لَهُ، أَوْ نَقْلٌ مَعْنَوِيٌّ أَوْ رِوَايَةٌ (أَمْ لَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يُتَذَرَّعُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ يُتَوَسَّلُ (بِهِ إِلَى مَحْظُورٍ فَهُوَ مَحْظُورٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ وَمُحَرَّمٌ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْقَرْضُ يَجُرُّ الْمَنْفَعَةَ، وَالدَّارُ الْمَرْهُونَةُ يَسْكُنُهَا الْمُرْتَهِنُ بِلَا كِرَاءٍ، وَالدَّابَّةُ الْمَرْهُونَةُ يَرْكَبُهَا أَوْ يَرْتَفِقُ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ (وَكُلُّ دَخِيلٍ) بِالرَّفْعِ وَقِيلَ بِالنَّصْبِ أَيْ كُلُّ عَقْدٍ يَدْخُلُ (فِي الْعُقُودِ) وَيُضَمُّ إِلَى بَعْضِهَا (يَنْظُرُ) أَيْ فِيهِ (هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ كَحُكْمِهِ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ أَمْ لَا) فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ كَمَا إِذَا بَاعَ مِنْ أَحَدٍ مَتَاعًا يُسَاوِي عَشْرَةً بِمِائَةٍ لِيُقْرِضَهُ أَلْفًا مَثَلًا يَدْفَعُ رِبْحَهُ إِلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَمَنْ رَهَنَ دَارًا بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ وَأَجَّرَهُ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ فَقَدِ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَمَّا عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ بَعْضَ أُمَّتِهِ يَرْتَكِبُونَ هَذَا الْمَحْظُورَ بَالَغَ حَيْثُ قَالَ: " اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ " مَرَّتَيْنِ (هَكَذَا) أَيْ نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ عَنْهُ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي الْمُوَطَّأِ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنَّ الرَّجُلَ يُعْطِي صَاحِبَهُ الذَّهَبَ الْجَيِّدَ وَيَجْعَلُ مَعَهُ رَدِيئًا، وَيَأْخُذُ مِنْهُ ذَهَبًا مُتَوَسِّطًا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَقَالَ: هَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ أَخَذَ فَضْلَ جَيِّدِهِ مِنَ الرَّدِيءِ وَلَوْلَاهُ لَمْ يُبَايِعْهُ. اهـ وَمَا قَالَهُ فِي الْكُلِّيَّةِ الْأُولَى فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرِّرَةِ أَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَوَسِيلَةُ الطَّاعَةِ طَاعَةٌ، وَوَسِيلَةُ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ مِنَ الْكُلِّيَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا يَلِيقُ بِمَذْهَبِ مَنْ مَنَعَ الْحِيَلَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الرِّبَا، أَوْ غَيْرِهِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ يَرَى إِبَاحَةَ الْحِيَلِ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الدَّخِيلِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ عَامِلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، وَقَدْ قَالَ لَهُ: إِنَّهُ يُشْتَرَى صَاعُ تَمْرٍ جَيِّدٍ بِصَاعَيْ رَدِيءٍ حِيلَةٌ تُخْرِجُهُ عَنِ الرِّبَا، وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ الرَّدِيءَ بِدَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِهَا الْجَيِّدَ، فَافْهَمْ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ تَوَسَّطَ فِي مُعَامَلَةٍ أَخْرَجَهَا عَنِ الْمُعَامَلَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الرِّبَا جَائِزٌ، هَذَا وَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ شَيْئًا وَلَيْسَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَيَاءَ مِنَ النَّاسِ كَأَنْ سُئِلَ بِحَضْرَتِهِمْ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ لَمْ يُعْطَهُ، الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِهِ مِثْلَ هَذَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُكْرَهٌ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ، فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ بِالسَّيْفِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ شَيْئًا مُدَارَاةً عَنْ عِرْضِهِ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَكَذَا مَنْ أَعْطَى حَاكِمًا أَوْ سَاعِيًا أَوْ أَسِيرًا شَيْئًا عَلِمَ الْمُعْطَى مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لَهُ بِالْحَقِّ أَوْ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْحَقَّ إِلَّا إِنْ أَخَذَ شَيْئًا فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَا يَمْلِكُ الْآخِذُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» ، وَلِضَعْفِ دَلَالَةِ الْإِعْطَاءِ عَلَى الْمِلْكِ أَثَرُ الْقَصْدِ الْمُخْرِجِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ دَالٌّ قَوِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ قَصْدٌ قَارَنَهُ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ هَاهُنَا صَالِحٌ، وَهُوَ التَّخَلُّصُ عَنِ الرِّبَا، وَفِي تِلْكَ الصُّوَرِ فَاسِدٌ، وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>