١٨٦٨ - «وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: " هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ "، فَقُلْتُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
١٨٦٨ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ) أَيْ: وَصَلْتُ إِلَيْهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي) وَهُوَ مِمَّنِ اخْتَارَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى (قَالَ) تَقْوِيَةً لِقَلْبِهِ وَتَسْلِيَةً لِنَفْسِهِ وَتَجْلِيَةً لِرُوحِهِ وَتَحْلِيَةً لِسِرِّهِ (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أَيِ: الْأَكْثَرُونَ تِجَارَةً فِي الْمَالِ هُمُ الْأَكْثَرُونَ خَسَارَةً فِي الْمَآلِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هُمْ ضَمِيرٌ لِغَيْرِ مَذْكُورٍ، لَكِنْ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: هُمُ الْأَكْثَرُونَ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: هُمْ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ خَبَرُهُ وَهُوَ الْأَخْسَرُونَ (وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) قَسَمٌ يُنَاسِبُ الْمَقَامَ (فَقُلْتُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) بِفَتْحِ الْفَاءِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ لِأَنَّهُ مَاضٍ، خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، وَيُحْتَمَلُ كَسْرُ الْفَاءِ وَالْقَصْرُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَيْ: يَفْدِيكَ أَبِي وَأُمِّي وَهُمَا أَعَزُّ الْأَشْيَاءِ عِنْدِي (مَنْ هُمْ) فِيهِ لَطَافَةٌ لَا تَخْفَى، وَالْمَعْنَى مَنِ الْأَخْسَرُونَ الَّذِينَ أَجْمَلْتَهُمْ ( «قَالَ: هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا» ) لَعَلَّ جَمْعَ التَّمْيِيزِ لِإِرَادَةِ الْأَنْوَاعِ أَوْ لِمُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ أَيِ: الْأَخْسَرُونَ مَالًا هُمُ الْأَكْثَرُونَ مَالًا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي مَنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ خُسْرَانُهُ أَكْثَرُ ( «إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ أَيْ: إِلَّا مَنْ أَشَارَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْجَوَانِبِ فِي صَرْفِ مَالِهِ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَلَعَلَّ التَّثْلِيثَ إِشَارَةٌ إِلَى الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَالْأَمَامِ لَكِنَّ قَوْلَهُ ( «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ» ) يَأْبَى عَنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ " هَكَذَا " فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ الْجَمْعَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِلَّا مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ أَيْ: فَلَيْسَ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلْ مِنَ الْفَائِزِينَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالثَّلَاثِ الْقُدَّامُ وَالْخَلْفُ وَأَحَدُ الْجَانِبَيْنِ، وَعَلَى نُسْخَةِ التَّثْنِيَةِ فَالْمُرَادُ بِهَا التَّكْرِيرُ وَالتَّكْثِيرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ: قَالَ بِيَدِهِ أَيْ: أَشَارَ، وَقَالَ بِيَدِهِ أَيْ: أَخَذَ، وَقَالَ بِرِجْلِهِ أَيْ: ضَرَبَ، وَقَالَ بِالْمَاءِ عَلَى يَدَيْهِ أَيْ: صَبَّهُ، وَقَالَ بِثَوْبِهِ أَيْ: رَفَعَهُ، فَيُطْلِقُونَ الْقَوْلَ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْعَالِ اتِّسَاعًا، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى أَشَارَ بِيَدِهِ إِشَارَةً مِثْلَ هَذِهِ الْإِشَارَةِ وَ (مِنْ) بَيَانُ الْإِشَارَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ لِمَجِيءِ " عَنْ " وَالتَّقْدِيرُ: مُبْتَدِأً مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَمُجَاوِزًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) هُمْ مُبْتَدَأٌ وَقَلِيلٌ خَبَرُهُ وَمَا زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلْقِلَّةِ أَيِ: الْمُسْتَثْنَوْنَ قَلِيلٌ أَوْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَلِيلٌ، وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤] وَإِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] وَإِشَارَةٌ إِلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفَقْرِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ أَسْلَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute