" {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: ٢٣] " الْآيَةَ (أَسْأَلُكَ) أَيْ: مُقْسِمًا عَلَيْكَ أَوْ مُتَوَسِّلًا إِلَيْكَ ( «بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ» ) أَيِ: الْإِبِلَ (بَعِيرًا) مَفْعُولُ أَسْأَلُكَ أَيْ: أَطْلُبُ مِنْكَ بَعِيرًا ( «أَتَبَلَّغُ بِهِ فِي سَفَرِي» ) أَيْ إِلَى مَقْصُودِي أَوْ وَطَنِي ( «فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ» ) أَيْ: حُقُوقُ الْمَالِ كَثِيرَةٌ عَلَيَّ وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهَا أَوْ حُقُوقُ الْمُسْتَحِقِّينَ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَحْصُلْ لَكَ الْبَعِيرُ، وَقَدْ أَرَادَ بِهِ دَفْعَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَادِقٍ فِيهِ (فَقَالَ: إِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ (كَأَنِّي أَعْرِفُكَ) وَنُكْتَةُ التَّشْبِيهِ الْمُغَالَطَةُ لِتَمَكُّنِهِ الْمُكَابَرَةَ ( «أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ» ؟) أَيْ: قَدْ كُنْتَ أَبْرَصَ (يَقْذَرُكَ النَّاسُ) بِفَتْحِ الذَّالِ أَيْ: يَكْرَهُونَكَ وَيَسْتَقْذِرُونَكَ وَهُوَ حَالٌ كَقَوْلِهِ (فَقِيرًا) أَوْ هَذَا خَبَرٌ ثَانٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ (فَأَعْطَاكَ اللَّهُ) أَيْ: مَالًا أَوْ جَمَالًا وَمَالًا ( «فَقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا» ) حَالٌ (عَنْ كَابِرٍ) أَيْ: كَبِيرًا أَخْذًا عَنْ كَبِيرٍ أَوْ كَبِيرًا بَعْدَ كَبِيرٍ وَالْمَعْنَى حَالَ كَوْنِي أَكْبَرَ قَوْمِي سِنًّا وَرِيَاسَةً وَنَسَبًا وَأَخْذًا عَنْ آبَائِيَ الَّذِينَ هُمْ كَذَلِكَ حَسَبًا، وَنِعْمَ مَنْ قَالَ مِنْ أَرْبَابِ الْحَالِ: -
كَأَنَّ الْفَتَى لَمْ يَعْرَ يَوْمًا إِذَا اكْتَسَى ... وَلَمْ يَكُ صُعْلُوكًا إِذَا مَا تَمَوَّلَا
وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ فِي الْجَوَابِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عُرْفًا مِنَ التَّكْذِيبِ فِي شَيْءٍ تَكْذِيبَهُ فِي آخَرَ (فَقَالَ) أَيِ: الْمَلَكُ ( «لَهُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا» ) أَوْرَدَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقِيلَ: ذَكَرَ (إِنْ) دُونَ (إِذَا) مَعَ أَنَّ كَذِبَهُ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ عِنْدَ الْمَلَكِ لِقَصْدِ التَّوْبِيخِ وَتَصْوِيرِ أَنَّ الْكَذِبَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ إِلَّا عَلَى مُجَرَّدِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ اهـ. وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ " إِذَا كَذَبْتَ " إِلَى قَوْلِهِ " إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا " بِصِيغَةِ الْمَاضِيِ وَبِالْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَى الْمُتَّصِفِ بِالْكَذِبِ غَالِبًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ إِنْ بِمَعْنَى إِذَا كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥] ( «فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ» ) مِنَ الْبَرَصِ وَالْفَاقَةِ أَيْ: جَعَلَكَ حَقِيرًا فَقِيرًا ( «قَالَ: وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ» ) لَمْ يَقُلْ هُنَا وَهَيْئَتِهِ اخْتِصَارًا أَوِ اكْتِفَاءً ( «فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا» ) أَيْ: لِهَذَاكَ ( «وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ» ) قَالَ مِيرَكُ: فَإِنْ قُلْتَ لِمَ دَخَلَ الْفَاءُ فِي الْجَزَاءِ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ قُلْتُ هُوَ دُعَاءٌ اهـ. أَيْ: هَذَا فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ فَلِذَا جَازَ دُخُولُ الْفَاءِ وَإِنْ جُعِلَ خَبَرًا يَكُونُ التَّقْدِيرُ فَقَدْ صَيَّرَكَ اللَّهُ ( «قَالَ: وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ» ) أَيْ: مُسَافِرٌ ( «انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ» ) اعْتِرَافًا وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ ( «قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ» ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ: لَا أَسْتَفْرِغُ طَاقَتِي (الْيَوْمَ بِشَيْءٍ) أَيْ: بِمَنْعِ شَيْءٍ (أَخَذْتَهُ لِلَّهِ - تَعَالَى -) كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ لَا أَشُقَّ عَلَيْكَ فِي رَدِّ شَيْءٍ تَطْلُبُهُ مِنِّي أَوْ تَأْخُذُهُ مِنْ مَالِي كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ ( «قَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ» ) أَيْ: أَنْتَ وَرَفِيقَاكَ وَالْمَعْنَى اخْتُبِرْتُمْ، هَلْ تَذْكُرُونَ سُوءَ حَالَتِكُمْ وَشِدَّةَ خِدْمَتِكُمْ أَوَّلًا وَتَشْكُرُونَ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ آخِرًا؟ ( «فَقَدْ رَضِيَ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِيهِمَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute