(قَالَتْ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ) وَلَعَلَّ امْتِنَاعَهُ لِأَنَّ سُؤْلَهُ يُنْبِئُ عَنِ الطَّمَعِ (قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ) أَيْ فَذَهَبُتُ (فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) أَيْ وَاقِفَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ (بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْمَفْهُومُ مِنْ حَدِيثِ الْبَزَّارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَابِ بَابُ الْمَسْجِدِ (حَاجَتِي وَحَاجَتُهَا) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ عَيْنُهَا، أَوْ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ (قَالَتْ) أَيْ زَيْنَبُ (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ أَعْطَى اللَّهُ رَسُولَهُ هَيْبَةً وَعَظَمَةً يَهَابُهُ النَّاسُ، وَيُعَظِّمُونَهُ، وَلِذَا مَا كَانَ أَحَدٌ يَجْتَرِئُ عَلَى الدُّخُولِ عَلَيْهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَ دَلَّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ أَصْحَابُهُ فِي مَجْلِسِهِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ، وَذَلِكَ عِزَّةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا كِبْرٌ وَسُوءُ خُلُقٍ، وَإِنَّ تِلْكَ الْعِزَّةَ أَلْبَسَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - إِيَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ (قَالَتْ) أَيْ زَيْنَبُ ( «فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَنْ أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا» ) بِضَمِّ الْحَاءِ جَمْعُ حَجْرٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، يُقَالُ: فُلَانٌ فِي حَجْرِ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَمَنْعِهِ وَالْمَعْنَى فِي تَرْبِيَتِهِمَا (وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ) إِرَادَةَ الْإِخْفَاءِ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الرِّيَاءِ، أَوْ رِعَايَةً لِلْأَفْضَلِ، وَهَذَا أَيْضًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا لِعَدَمِ دُخُولِهَا (قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ هُمَا؟ " ; قَالَ: امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَيُّ الزَّيَانِبِ ") قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَيَّةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤] اهـ بَلْ قِيلَ: التَّأْنِيثُ أَفْصَحُ (قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا يُؤَيِّدُ اصْطِلَاحَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ عَبْدُ اللَّهِ فَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، لَا ابْنُ عُمَرَ، وَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَا ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، مَعَ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَجِلَّاءُ، لَكِنَّهُ أَجَلُّ فَالْمُطْلَقُ يَصْرِفُ الْأَكْمَلَ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّهُ أَفْقَهُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، قِيلَ: وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُ بِلَالٌ عَنْهُمَا مَعَ أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ إِجَابَتَهُ فَرْضٌ دُونَ غَيْرِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَهُمَا ") أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (" أَجْرَانِ أَجْرٌ الْقَرَابَةِ ") أَيِ الصِّلَةِ (" وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ) قَالَ الشُّمُنِّيُّ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ.
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ إِلَى امْرَأَتِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا تَدْفَعُ الْمَرْأَةُ زَكَاتَهَا إِلَى زَوْجِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَنَافِعِ عَادَةً، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَدْفَعُ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لَهُمَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مَسْنَدِهِ فَقَالَ فِيهِ: فَلَمَّا انْصَرَفَ وَجَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَاءَتْهُ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَعِنْدِي حَلْيٌ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ» "، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا مُعَارَضَةَ لَازِمَةٌ بَيْنَ هَذِهِ وَالْأُولَى فِي شَيْءٍ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَقَوْلُهُ " وَلَدُكِ " يَجُوزُ كَوْنُهُ مَجَازًا عَنِ الرَّبَائِبِ وَهُمُ الْأَيْتَامُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَكَوْنُهُ حَقِيقَةً فَالْمَعْنَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ إِذَا تَمَلَّكَهَا أَنْفَقَهَا عَلَيْهِمْ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدَقَةِ نَافِلَةٍ ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَتَخَوَّلُ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ: وَهَلْ يُجْزِئُ ; وَإِنْ كَانَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْحَادِثِ لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إِلَّا فِي الْوَاجِبِ ; لَكِنْ كَانَ فِي أَلْفَاظِهِمْ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ النَّقْلِ لِأَنَّهُ لُغَةً الْكِفَايَةُ، فَالْمَعْنَى: هَلْ يَكْفِي التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فِي تَحْقِيقِ مُسَمَّى الصَّدَقَةِ وَتَحْقِيقِ مَقْصُودِهَا مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute