للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١١١ - «وَعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: (مِنْ آبَائِهِمْ) . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) . قُلْتُ: فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: (مِنْ آبَائِهِمْ) قُلْتُ بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) .» رَوَاهُ دَاوُدُ.

ــ

١١١ - (وَعَنْ عَائِشَةَ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ( «قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» ؟) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: مَا حُكْمُ ذَرَارِيِّهِمْ أَهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَمِ النَّارِ؟ (قَالَ: مِنْ آبَائِهِمْ؟) مِنْ اتِّصَالِيَّةٌ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة: ٦٧] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ، وَلَا الدَّدُ مِنِّي» " أَيِ: اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَّصِلُونَ بِآبَائِهِمْ، وَقِيلَ: مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى هُمْ بَعْضُ آبَائِهِمْ فَلَهُمْ حُكْمُهُمْ أَيْ: يَعْلَمُ حُكْمَهُمْ مِنْ حُكْمِ آبَائِهِمْ؛ يَعْنِي إِنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَهُمْ كَذَلِكَ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ: مَعْدُودُونَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِالْإِسْلَامِ لِإِسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَيَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَبِمُرَاعَاةِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ يَحْكُمُ عَلَى ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ بِالِاسْتِرْقَاقِ، وَبِمُرَاعَاةِ أَحْكَامِهِمْ فِيهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبِانْتِفَاءِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ مُلْحَقُونَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ بِآبَائِهِمْ. (فَقُلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ بِلَا عَمَلٍ؟) هَذَا وَارِدٌ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ، إِذْ لَا مُوجِبَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْمَعْنَى أَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا عَمَلٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: ٣٢] (قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) أَيْ: لَوْ بَلَغُوا رَدًّا لِتَعَجُّبِهَا، وَإِشَارَةً إِلَى الْقَدَرِ، وَلِهَذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْقَدَرِ (قُلْتُ: فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟) أَيْ: فَمَا حُكْمُهُمْ؟ (قَالَ مِنْ آبَائِهِمْ) أَيْ: يَعْلَمُ مِنْ حُكْمِ آبَائِهِمْ، أَوْ مَعْنَاهُ أَتْبَاعٌ لِآبَائِهِمْ (قُلْتُ: بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) . قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَمَوْكُولٌ أَمْرُهُمْ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لَيْسَا بِالْأَعْمَالِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ذَرَارِيُّ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، بَلِ الْمُوجِبُ اللُّطْفُ الْإِلَهِيُّ، وَالْخِذْلَانُ الْمُقَدَّرُ لَهُمْ فِي الْأَزَلِ، فَالْوَاجِبُ فِيهِمُ التَّوَقُّفُ، وَعَدَمُ الْجَزْمِ؛ فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ مَوْكُولَةٌ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ فِيمَا يَعُودُ إِلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَالْأَعْمَالُ دَلَائِلُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ انْتِفَاءُ الْمَدْلُولِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُمْ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ فِي النَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا: حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: (وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ) » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] وَلَا تَكْلِيفَ عَلَى الْمَوْلُودِ حَتَّى يَلْزَمَ الْحُجَّةَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْحَقُّ مَذْهَبُ التَّوَقُّفِ لِمَا وَرَدَ فِي أَوْلَادِ خَدِيجَةَ كَمَا سَيَأْتِي، وَحَدِيثِ «الْوَائِدَةِ وَالْمَوْءُودَةِ فِي النَّارِ» ، مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَالْوَجْهُ أَنْ يُبْنَى الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَقَوْلُهَا: عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ فِي شَأْنِ وَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْكَرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِذَلِكَ جَزْمٌ بِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الْجَنَّةِ، فَعَلَى هَذَا أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ يَدَيْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُمُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا حِينَئِذٍ، ثُمَّ فِي الْمَآلِ آمَنُوا، وَأَمَّا أَوْلَادُ خَدِيجَةَ وَالْمَوْءُودَةِ فَهُمُ الَّذِينَ مَاتَ آبَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: ١٥] فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَذَابِ الِاسْتِئْصَالُ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ حَتَّى تَقْتَضِي ظَاهِرًا أَنْ يَكُونَ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَتْبَعَهُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: ١٦] لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَكَمَا أَنَّ الْبَالِغِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>