مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ " قَالَ الْجَزَرِيُّ: كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، قَالَ مِيرَكُ: وَهَذَا لَا يَخْلُو عَنْ تَأَمُّلٍ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ كَثِيرُ الْغَلَطِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، وَلِذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، يَعْنِي قَوْلَهُ مَوْقُوفًا عَلَى مُجَاهِدٍ اهـ كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ، لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: وَاللَّفْظُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ، وَنَحْوَهُ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ فِيهِ: " «فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ بَابٌ مِنْهَا الشَّهْرَ كُلَّهُ» " اهـ. كَلَامُهُ، وَيُقَوِّي رَفْعَ الْحَدِيثِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ حُكْمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، تَمَّ كَلَامُ مِيرَكَ، وَفِيهِ أَوَّلًا أَنَّ ابْنَ عَيَّاشٍ وَلَوْ كَانَ كَثِيرَ الْغَلَطِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ضَابِطٌ عِنْدَ الْأَقَلِّ وَمِنْهُمُ الْجَزَرِيُّ، وَلِذَا قَالَ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَا يَخْلُو عَنْ غَرَابَةٍ، لِأَنَّ الضَّعِيفَ ضَعِيفٌ سَوَاءٌ عَنِ الْأَعْمَشِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ إِلَخْ لَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ، بَلْ عَلَى غَرَابَتِهِ، حَيْثُ إِنَّهُ أَوْرَدَهُ مَرْفُوعًا مُخَالِفًا لِمَنْ أَوْرَدَهُ مَوْقُوفًا، وَالْغَرَابَةُ لَا تُنَافِي الْحُسْنَ وَالصِّحَّةَ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ، وَلِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَنْ مُجَاهِدٍ أَصَحُّ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مَرْفُوعًا، مَعَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ النِّزَاعِ، وَتَحَصَّلَ آخِرَ الْأَمْرِ أَنَّ كَوْنَهُ مَرْفُوعًا أَصَحُّ، هَذَا وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ هُوَ تِلْمِيذُ الْإِمَامِ عَاصِمٍ أَحَدِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ، وَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ شُعْبَةَ، وَيُقَدَّمُ عَلَى حَفْصٍ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ فَاقَ أَقْرَانَهُ فِي الْفَضَائِلِ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ ضَعِيفًا لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ الْحَدِيثُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute