بَابُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١٩٦٩ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ "، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
أَيِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا.
١٩٦٩ - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَصُومُوا ") أَيْ يَوْمَ ثَلَاثِينَ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ " حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ " أَيْ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَكُمْ رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ غَيْمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ غَيْمٌ أَمْ لَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا تَثْبُتُ أَصْلًا؛ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ الْقَاضِي: أَيْ لَا تَصُومُوا عَلَى قَصْدِ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ، وَهُوَ أَنْ يَرَى هُوَ أَوْ مَنْ يَثِقُ عَلَيْهِ، وَالْمُنْفَرِدُ بِالرُّؤْيَةِ إِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ يَصُومَ، وَيُسِرَّ بِإِفْطَارِ عِيدِهِ اهـ. وَيَصُومُ عِنْدَنَا - مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ - أَوَّلًا وَلَا يُفْطِرُ يَوْمَ عِيدٍ احْتِيَاطًا، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فِي حَقِّهِ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالِاحْتِيَاطِ يُنَافِي تَأْوِيلَ قَوْلِهِ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنْ أَيْقَنَ أَفْطَرَ وَيَأْكُلُ سِرًّا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لَوْ أَفْطَرَ قَضَى، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِي لُزُومِهَا الْخِلَافَ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَتِهِ وَقَبْلَهُ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ لُزُومِهَا فِيهِمَا، وَيُحْمَلُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَصُومُوا بِنِيَّةِ رَمَضَانَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ عِنْدَكُمْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ " وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ " أَيْ هِلَالَ شَوَّالٍ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: حَتَّى تَثْبُتَ رُؤْيَتُهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لَا بِأَقَلَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَظَاهِرُ عُمُومِ هَذَا النَّهْيِ كَالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ قَالُوا: الْمُنْفَرِدُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ يُسِرُّ بِفِطْرِهِ فِي عِيدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَرَ هِلَالَ شَوَّالٍ، لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ الْحَاكِمِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَالنَّهْيُ فِيهِمَا لِلتَّحْرِيمِ عَلَى الْأَصْلِ هُوَ بِالنَّظَرِ لِعُمُومِ النَّاسِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاوُ الْجَمْعِ، أَمَّا مَنْ رَآهُ وَحْدَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ بِهِ أَوْ لَمْ يُقْبَلْ أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ مَنِ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ فَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى رُؤْيَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَمَضَانُ وَلَا شَوَّالٌ عَلَى الْعُمُومِ اهـ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالِنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَرْبَابِ الْفُهُومِ، فَتَأَمَّلْ حَقَّ التَّأَمُّلِ. " فَإِنْ غُمَّ " أَيْ غُطِّيَ الْهِلَالُ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ " عَلَيْكُمْ " أَيْ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ سُتِرَ الْهِلَالُ بِغَيْمٍ، مِنْ غَيَّمْتُ الشَّيْءَ إِذَا غَطَّيْتَهُ، وَفَى غُمَّ ضَمِيرُ الْهِلَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا إِلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بِمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ مَغْمُومًا عَلَيْكُمْ، وَتُرِكَ ذِكْرُ الْهِلَالِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ " فَاقْدِرُوا " بِكَسْرِ الدَّالِّ وَيُضَمُّ، وَفِي الْمُغْرِبِ: الضَّمُّ خَطَأٌ " لَهُ " أَيْ لِلْهِلَالِ، وَالْمَعْنَى قَدِّرُوا لِهِلَالِ الشَّهْرِ الْمُسْتَقْبِلِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ فَاقْدِرُوا عَدَدَ الشَّهْرِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ " ثَلَاثِينَ يَوْمًا " إِذِ الْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّهْرِ وَدَوَامُ خَفَاءِ الْهِلَالِ مَا أَمْكَنَ أَيْ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ، وَالْمَعْنَى: اجْعَلُوا الشَّهْرَ ثَلَاثِينَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَعْنِي حَقِّقُوا مَقَادِيرَ أَيَّامِ شَعْبَانَ حَتَّى تُكْمِلُوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اهـ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ: التَّقْدِيرُ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ، يُقَالُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدِرُهُ قَدْرًا بِمَعْنَى قَدَّرْتُهُ تَقْدِيرًا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: ذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّقْدِيرُ بِحِسَابِ الْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ، أَيِ اقْدِرُوا مَنَازِلَ الْقَمَرِ فَإِنَّهُ يَدُلُّكُمْ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ اهـ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: " فَاقْدِرُوا " خِطَابُ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ، وَقَوْلُهُ: " فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " خِطَابٌ لِلْعَامَّةِ اهـ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِحَدِيثِ " «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ» "، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الشَّهْرِ لَيْسَتْ إِلَى الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ كَمَا يَزْعُمُهُ أَهْلُ النُّجُومِ، وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَلَوِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَرَى، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - مُخَاطِبًا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ خِطَابًا عَامًّا {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِطَابِ الْعَامِّ " «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» " وَلِمَا فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ: " «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ» " وَلِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ وَالْفِطْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute