١٩٨٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِنَاءُ فِي يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
١٩٨٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ ") أَيْ أَذَانَ الصُّبْحِ " أَحَدُكُمْ وَالْإِنَاءُ " أَيِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ أَوْ يَشْرَبُ مِنْهُ " فِي يَدِهِ " جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ " فَلَا يَضَعْهُ " أَيِ الْإِنَاءَ " حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ " أَيْ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَهَذَا إِذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الطُّلُوعِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ طُلُوعَ الصُّبْحِ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» "، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ فَائِدَةُ الْقَيْدِ، قَالَ: أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي الصُّبْحِ لِتَغَيُّمِ الْهَوَاءِ مَثَلًا فَلَا يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِأَذَانِهِ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ لِعِلْمِهِ أَنَّ دَلَائِلَ الْفَجْرِ مَعْدُومَةٌ وَلَوْ ظَهَرَتْ لِلْمُؤَذِّنِ لَظَهَرَتْ لَهُ أَيْضًا، فَأَمَّا إِذَا عَلِمَ طُلُوعَهُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَذَانِ الصَّارِخِ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِمْسَاكِ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُشْعِرُ دَلِيلُ الْخِطَابِ بِأَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِنَاءُ فِي يَدِهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ تَعْجِيلَ الْإِفْطَارِ مَسْنُونٌ، لَكِنَّ هَذَا مِنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ لَهُ مَفْهُومٌ اتِّفَاقًا اهـ يَعْنِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِلَّا فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا اعْتِبَارَ بِالْمَفْهُومِ إِلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ لَا فِي الْأَدِلَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ: إِيمَاءً وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنَ الْحَدِيثِ طَلَبُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ، أَيْ إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ نِدَاءَ الْمَغْرِبِ وَصَادَفَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنَاءَ فِي يَدِهِ لِحَالَةٍ أُخْرَى فَلْيُبَادِرْ بِالْفِطْرِ مِنْهُ وَلَا يُؤَخِّرْ إِلَى وَضْعِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِنَاءُ فِي يَدِهِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ بَلْ لِلْمُبَالَغَةِ فِي السُّرْعَةِ اهـ وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى يَرُدُّهُ صَرِيحُ الْحَدِيثِ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ إِمْكَانَ سُرْعَةِ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ لِتَقَارُبِ وَقْتِهِ وَاسْتِدْرَاكِ حَاجَتِهِ وَاسْتِشْرَافِ نَفْسِهِ وَقُوَّةِ نَهْمَتِهِ وَتَوَجُّهِ شَهْوَتِهِ بِجَمِيعِ هِمَّتِهِ مِمَّا يَكَادُ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ لِمَا امْتَنَعَ فَأَجَازَهُ الشَّارِعُ - رَحْمَةً عَلَيْهِ، وَتَدْرِيجًا لَهُ بِالسُّلُوكِ وَالسَّيْرِ إِلَيْهِ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ مِنَ الْخِلَافِ فِي الصُّبْحِ الْمُرَادِ فِي الصَّوْمِ.
فَقَدْ ذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلُ طُلُوعِ الصُّبْحِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: اسْتِنَارَتُهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَعْمَشِ، قَالَ مَسْرُوقٌ: لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَوَّلُ أَحْوَطُ، وَالثَّانِي أَرْفَقُ اهـ وَلَعَلَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّفْقِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ، وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ التَّبْيِينِ فِي الْآيَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَجْرِ فِي الْآيَةِ الْإِسْفَارُ فَهُوَ مِمَّا كَادَ الْإِجْمَاعُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا نُقِلَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يَحِلُّ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَا أَظُنُّ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ يَصِحُّ عَنْهُمَا اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] فَالْقَائِلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ يَكْفُرُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute