٢٠٢١ - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٢٠٢١ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: مُزَاحَمَةً فِي الِاجْتِمَاعِ عَلَى غَرَضِ الِاطِّلَاعِ (وَرَجُلًا) هُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ، وَاسْمُهُ قَيْسٌ، وَقِيلَ: قُشَيْرٌ، وَقِيلَ: قَيْصَرٌ، وَهُوَ أَصَحُّ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ (قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ) أَيْ: جُعِلَ عَلَيْهِ ظِلٌّ اتِّقَاءً عَنِ الشَّمْسِ، أَوْ إِبْقَاءً عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرَارَةِ، أَوْ مِنْ ضَعْفِ الصَّوْمِ، أَوْ مِنَ الْإِغْمَاءِ، وَقِيلَ: ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ مِظَلَّةٌ كَالْخَيْمَةِ وَشِبْهِهَا، وَقِيلَ: ظُلِّلَ عَلَيْهِ بِالْقِيَامِ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ، قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إِنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ هَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ كَمَا بُيِّنَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى بُلُوغِ الْعَطَشِ النِّهَايَةَ وَحَرَارَةِ الصَّوْمِ الْغَايَةَ " فَقَالَ: مَا هَذَا؟ " أَيْ: مَا هَذَا الزِّحَامُ أَوِ التَّظْلِيلُ (قَالُوا: صَائِمٌ) أَيْ: ثَمَّةُ صَائِمٌ، سَقَطَ لِلضَّعْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا بِمَعْنَى مَنْ، أَيْ: مَنْ هَذَا السَّاقِطُ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ " فَقَالَ: لَيْسَ الْبِرَّ الصَّوْمُ " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مِنْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَرَوَى أَهْلُ الْيَمَنِ لَيْسَ مِنْ أَمْبِرٍ أَمْصِيَامُ فِي أَمْسَفَرٍ، فَأَبْدَلُوا مِنَ اللَّامِ مِيمًا، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ، وَفِي نُسْخَةِ الْمَصَابِيحِ: الصِّيَامُ بَدَلَ الصَّوْمِ أَيِ: الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ " فِي السَّفَرِ " لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ، وَقَالَ - تَعَالَى - {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَدَّى الصَّوْمُ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي شَاهَدَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ صِيَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ عَامَ الْفَتْحِ، وَخَيَّرَ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ، قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَصَوْمُ سَفَرٍ لَا يَضُرُّ أَحَبُّ مِنَ الْفِطْرِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَالْأَوْزِاعِيُّ: الْفِطْرُ أَحَبُّ مُطْلَقًا لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْعَزِيمَةُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَالْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ أَفْضَلُ، وَأَيْضًا رَمَضَانُ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَالْأَدَاءُ فِيهِ أَفْضَلُ، قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ مَعَ الْقُوَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ مَعَ الْعَجْزِ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَكْثَرُونَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خِدْمَةَ الصُّلَحَاءِ خَيْرٌ مِنَ النَّوَافِلِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْعَوَارِفِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute