٢٠٢٨ - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ــ
٢٠٢٨ - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ) أَيْ مَعَ احْتِمَالِ الْمَشَقَّةِ الْمُضِرَّةِ (كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ) أَيْ كَوِزْرِ الْمُفْطِرِ فِي حَالِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، قَالَ مِيرَكُ: يُفْهَمُ مِنْهُ مَنْعُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ كَمَنْعِ الْإِفْطَارِ فِي الْحَضَرِ، قُلْتُ: هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمَشَى عَلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ، وَبِمَا أَوَّلْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ صَرِيحًا، وَذَهَبَ إِلَيْهَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا تَارِكُ الرُّخْصَةِ وَالْآخَرُ تَارِكُ الْعَزِيمَةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَفِيهِ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ إِذْ تَرْكُ الرُّخْصَةِ مُبَاحٌ وَتَرْكُ تِلْكَ الْعَزِيمَةِ حَرَامٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا كَانَ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ خَرَجَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِهِ اهـ وَالْكَدِيدُ مَا بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَائِلُونَ بِمَنْعِ الصَّوْمِ لَا غَيْرُهُمْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ آخِرَ الْأَمْرِ، فَالْحَاصِلُ التَّعَارُضُ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ، وَالْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِ أَحَدِهِمَا، وَاعْتِبَارِ نَسْخِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ قَاطِعَةٍ فِيهِ، وَالْجَمْعُ بِمَا قُلْنَا مِنْ حَمْلِ مَا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ مَنْ لَمْ يُفْطِرْ إِلَى الْعِصْيَانِ وَعَدَمِ الْبِرِّ وَفِطْرِهِ بِالْكَدِيدِ عَلَى عُرُوضِ الْمَشَقَّةِ، خُصُوصًا وَقَدْ وَرَدَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ وُقُوعِهَا فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَأَحَادِيثُ الْجَوَازِ أَقْوَى ثُبُوتًا، وَاسْتِقَامَةَ مَجِيءٍ، وَأَوْفَقُ لِكِتَابِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ، وَقَالَ - تَعَالَى - بَعْدَ قَوْلِهِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ - يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٤ - ١٨٥] فَعَلَّلَ التَّأْخِيرَ إِلَى إِدْرَاكِ الْعِدَّةِ بِإِرَادَةِ الْيُسْرِ، وَالْعُسْرُ أَيْضًا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْفِطْرِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْيُسْرُ فِي الصَّوْمِ إِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَضِرٍّ بِهِ لِمُوَافَقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ فِي الِائْتِسَاءِ تَخْفِيفًا، أَوْ لِأَنَّ النَّفْسَ تَوَطَّنَتْ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ مَا لَمْ تَتَوَطَّنْ عَلَى غَيْرِهِ، فَالصَّوْمُ فِيهِ أَيْسَرُّ عَلَيْهَا، وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥] لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، بَلِ الْمَعْنَى: فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوِ الْمَعْنَى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَيْهَا لَا كَمَا ظَنَّهُ أَهْلُ الظَّوَاهِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute