قُلْتُ: بَلْ كَوْنُ أَوْلَادِهِمْ مُعَذَّبِينَ مَعَهُمْ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ عَذَابِهِمْ، وَشِدَّةِ عِقَابِهِمْ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمُدَّعَى مِنَ الْحَدِيثِ، أَوْ أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ الصِّغَارُ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، أَوْ فِي رَفْعِ الدَّرَجَةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهَا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: ٢١] يَعْنِي: أَوْلَادَهُمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، فَالْكِبَارُ بِإِيمَانِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالصِّغَارُ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ، فَإِنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ. أَلْحَقَنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ بِدَرَجَاتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا بِأَعْمَالِهِمْ دَرَجَاتِ آبَائِهِمْ تَكْرِمَةً لِآبَائِهِمْ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ، وَهِيَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: ٢١] الْبَالِغُونَ {بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْإِيمَانَ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ، وَرِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَجْمَعُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتَهُ فِي الْجَنَّةِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَجْتَمِعُوا إِلَيْهِ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ، وَيُلْحِقُهُمْ بِدَرَجَتِهِ بِعَمَلِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ الْآبَاءُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} [الطور: ٢١] أَيْ: مَا نَقَصْنَاهُمْ يَعْنِي الْآبَاءَ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي دَرَجَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ لِتَقَرَّ بِهِ عَيْنُهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: ٢١] » الْآيَةَ اهـ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أَعَمُّ مِنَ الْآبَاءِ، وَالْأُمَّهَاتِ، وَلَعَلَّ أَوْلَادَ خَدِيجَةَ فِي النَّارِ لِأَنَّهَا حَالَ مَوْتِهِمْ لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً، فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْعُلَمَاءِ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَحِينَئِذٍ لَيْسَ كَلَامُ الطِّيبِيِّ عَلَى صَرَافَتِهِ فَتَدَبَّرْ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute