للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٠٥٣ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٢٠٥٣ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) أَيْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَمَشَقَّةِ الْغَزْوِ، أَوْ مَعْنَاهُ مَنْ صَامَ يَوْمًا لِوَجْهِ اللَّهِ " بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ " أَيْ ذَاتَهُ " عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " أَيْ مِقْدَارَ مَسَافَةِ سَبْعِينَ سَنَةً (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) فِي النِّهَايَةِ الْخَرِيفُ الزَّمَانُ الْمَعْرُوفُ مَا بَيْنَ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، يُرَادُ بِهِ السَّنَةُ لِأَنَّ الْخَرِيفَ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا انْقَضَى الْخَرِيفُ انْقَضَى السَّنَةُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ دُونَ سَائِرِ الْفُصُولِ لِأَنَّهُ زَمَانُ بُلُوغِ حُصُولِ الثِّمَارِ وَحَصَادِ الزَّرْعِ وَسَعَةِ الْعَيْشِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَأَنَّ قَائِلَ هَذَا فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَرِيفِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ فَصْلُ الصَّيْفِ دُونَ الْخَرِيفِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَهُوَ مَا أَوَّلُهُ الْمِيزَانُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ إِذْ كَيْفَ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى الْفَاضِلِ الْعَلَّامَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بِلَادِهِ فَلَّاحٌ وَلَا جِلْفٌ إِلَّا وَيَعْرِفُ الْخَرِيفَ مِنَ الصَّيْفِ، مَعَ أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الصَّيْفَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ظُهُورَ الْأَزْهَارِ وَالثِّمَارِ لَا يَكُونُ مُبْتَدَأً إِلَّا مِنْ أَوَّلِ الْحَمْلِ مُنْتَهِيًا إِلَى الصَّيْفِ، فَإِذَا دَخَلَ الْخَرِيفُ خَرَفَ الثِّمَارَ أَيْ جَنَى، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ التَّشْبِيهِ، فَفِي الْقَامُوسِ: خَرِيفٌ كَأَمِيرٍ، ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَيْنَ الْقَيْظِ وَالشِّتَاءِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الثِّمَارُ، فَهَذِهِ كُتُبُ لُغَةِ الْعَرَبِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الْخَرِيفَ عِنْدَهُمْ مَا أَوَّلُهُ الْمِيزَانُ، وَهُوَ زَمَانُ انْتِهَاءِ الْإِثْمَارِ وَالْفَوَاكِهِ، وَكَأَنَّهُ بِانْتِهَائِهِ يَنْتَهِي السَّنَةُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ لَيْسَ إِلَّا الْبَرْدُ وَهُوَ عَدُوٌّ لَا يُعَدُّ زَمَانُهُ مِنَ الْعُمْرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْخَرِيفَ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الصَّيْفُ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ، وَلَعَلَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُ كَثْرَةِ الْفَوَاكِهِ وَعَيْنُ زَمَانِ إِكْثَارِ الثِّمَارِ، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَوْ صَحَّ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مَا ذَكَرْنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ الْعَجَمِيُّ لَوْ أَخْطَأَ فِي مَعْرِفَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ لَيْسَ بِعَجِيبٍ، إِنَّمَا الْغَرِيبُ مِنَ الْعَرَبِيِّ أَنْ لَا يَفْهَمَ كَلَامَهُ وَلَا يُرَتِّبَ نِظَامَهُ، وَلِذَا مُدِحُوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ كَانَ الْعِلْمُ فِي الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسٍ» "، وَلَقَدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَضَمِّنِ لِكَرَامَتِهِ أَنَّ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْفَضَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ انْتَهَتْ تَحْقِيقَاتُهَا إِلَى عُلَمَاءِ الْعَجَمِ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْعَقَائِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى قِيلَ: انْتَقَلَ الْعِلْمُ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى الْعَجَمِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>