للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

" عَلَيْكَ حَقًّا " وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّأْسِيسَ أَقْوَى مِنَ التَّأْكِيدِ ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ نُقْصَانُ قُوَّةِ الْبَاصِرَةِ مِنَ النَّوْمِ وَالسَّهَرِ " وَإِنَّ لِزَوْجِكَ " أَيْ لِامْرَأَتِكَ " عَلَيْكَ حَقًّا " أَيْ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ فَيَفُوتُ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ الِاضْطِجَاعُ وَالِانْتِفَاعُ " وَإِنَّ لِزَوْرِكَ " بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ لِأَصْحَابِكَ الزَّائِرِينَ وَأَحِبَّائِكَ الْقَادِمِينَ " عَلَيْكَ حَقًّا " أَيْ وَتَعْجِزُ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ عَنْ حُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ وَالْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ إِمَّا لِضَعْفِ الْبَدَنِ أَوْ لِقُوَّةِ سُوءِ الْخُلُقِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الزَّوْرُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ كَصَوْمٍ وَنَوْمٍ بِمَعْنَى صَائِمٍ وَنَائِمٍ، وَقَدْ يَكُونُ الزَّوْرُ جَمْعًا لِزَائِرٍ، كَرَكْبٍ جَمْعِ رَاكِبٍ اهـ وَقِيلَ: الزَّوْرُ اسْمُ جَمْعٍ بِمَعْنَى الضَّيْفِ " لَا صَامَ " قَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَأَنْ يَكُونَ دُعَاءً كَمَا مَرَّ اهـ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ " مَنْ صَامَ الدَّهْرَ " لِعَدَمِ لُحُوقِ مَشَقَّةِ مَا يَجِدُهَا غَيْرُهُ بِاعْتِيَادِهِ الصَّوْمَ، قَالَ الْقَاضِي: فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ لِأَنَّهُ إِذَا اعْتَادَ ذَلِكَ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيَاضَةً وَكُلْفَةً يَتَعَلَّقُ بِهَا مَزِيدُ ثَوَابٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا التَّأْوِيلُ يُخَالِفُ سِيَاقَ الْحَدِيثِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي رَفْعِ التَّشْدِيدِ وَوَضْعِ الْإِصْرِ، أَلَّا تَرَى كَيْفَ نَهَاهُ أَوَّلًا عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ كُلِّهِ ثُمَّ حَثَّهُ عَلَى صَوْمِ دَاوُدَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَجْرِيَ لَا صَامَ عَلَى الْإِخْبَارِ لِأَنَّهُ مَا امْتَثَلَ أَمْرَ الشَّارِعِ وَلَا أَفْطَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ اهـ وَالتَّعْلِيلُ بِصِيَامِهِ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ لِعَلَمِهِمْ بِحُرْمَةِ صِيَامِهَا، وَالشَّارِعُ مَا يَنْفِي صَوْمَ الدَّهْرِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ صِيَامِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَأَكَّدَ النَّهْيَ عَنْ صِيَامِهَا بِالْخُصُوصِ، فَالْأَظْهَرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِنَ السِّبَاقِ وَاللَّحَاقِ سَوَاءٌ كَانَ إِخْبَارًا أَوْ دُعَاءً أَنَّهُ لِلُحُوقِهِ ضَرَرَ الضَّعْفِ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي إِيجَابِ صَوْمِ شَهْرٍ فَقَطْ عَلَى الْأُمَّةِ، وَلِذَا قَالَ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] وَقَالَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «عَلَيْكُمْ بِالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ» " وَرُوِيَ: " «عَلَيْكُمْ بِدِينِ الْعَجَائِزِ وَلَا تُشَدِّدُوا فَيُشَدِّدُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» "، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى مِنَ الْأَدِلَّةِ (صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (صَوْمُ الدَّهْرِ) لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا (كُلِّهِ) أَيْ حُكْمًا وَهُوَ بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِلدَّهْرِ (صُمْ) أَيْ أَنْتَ بِالْخُصُوصِ وَمَنْ هُوَ فِي الْمَعْنَى مِثْلُكَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ تَوَهُّمُ التَّكْرَارِ الْمُسْتَفَادِ مِمَّا قَبْلَهُ (كُلَّ شَهْرٍ) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ظَرْفٌ، قِيلَ: هِيَ أَيَّامُ الْبِيضِ (وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ) أَيْ جَمِيعَهُ (فِي كُلِّ شَهْرٍ) أَيْ مَرَّةً (قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ وَخَتْمِ الشَّهْرِ ( «قَالَ: صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ» ) نَصَبَهُ عَلَى الْبَدَلِ أَوِ الْبَيَانِ أَوْ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ دُونَ جَرِّهِ بِفَسَادِ الْمَعْنَى (صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ) بِرَفْعِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هُوَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَاقْرَأِ) الْقُرْآنَ (فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً) أَيْ مَرَّةً مِنَ الْخَتْمِ، وَفِي اخْتِيَارِ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ إِشَارَةٌ إِلَى أَفْضَلِيَّتِهَا لِلْقِرَاءَةِ (وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْمَذْكُورِ مِنَ الصَّوْمِ وَالْخَتْمِ أَوْ لَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ السُّؤَالِ وَدَعْوَى زِيَادَةِ الطَّاقَةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>