للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطِّينِ، مَعَ مَا فِي الْآيَةِ: خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ وَفِي حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ ( «خَمَّرْتُ طِينَةَ آدَمَ بِيَدَيَّ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» ) (مِنْ صَبِيحَتِهَا) : وَفِي الْمَصَابِيحِ: فِي صَبِيحَتِهَا أَيْ: فِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَنُسِّيتُ أَيَّةَ لَيْلَةٍ كَانَتْ. (فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) : أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ (وَالْتَمِسُوهَا مِنْ كُلِّ وِتْرٍ) : أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْعَشْرِ فَإِنَّهُ أَرْجَى لَيَالِيهَا.

(قَالَ) : أَيْ: أَبُو سَعِيدٍ (فَمَطَرَتْ) : بِفَتْحَتَيْنِ (السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) : أَيِ: الَّتِي أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، وَهُوَ بَيْتٌ سَقْفُهُ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ، أَيْ: بُنِيَ عَلَى صَوْغِ عَرِيشٍ، وَهُوَ مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: عَلَى مِثْلِ الْعَرِيشِ، لِأَنَّ عُمُدَهُ كَانَتْ جُذُوعَ النَّخْلِ، فَلَا يَحْمِلُ ثِقَلًا عَلَى السَّقْفِ الْمَوْضُوعِ عَلَيْهَا، فَالْعَرْشُ هُوَ نَفْسُ سَقْفِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُظَلًّا بِالْجَرِيدِ، وَالْخُوصِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ يُكِنُّ مِنَ الْمَطَرِ الْكَثِيرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: فَالْعَرْشُ هُوَ نَفْسُ سَقْفِهِ، مُخَالِفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ عِيدَانٌ تُنْصَبُ وَيُظَلَّلُ عَلَيْهَا. وَفِي الْقَامُوسِ: الْعَرِيشُ الْبَيْتُ الَّذِي يُسْتَظَلُّ بِهِ كَالْعَرْشِ، انْتَهَى. وَالْبَيْتُ جُدْرَانٌ أَرْبَعَةٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ خَشَبٍ. (فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ) : أَيْ: قَطَرَ سَقْفُهُ وَنَزَلَ مَاءُ الْمَطَرِ مِنْ سَقْفِهِ (فَبَصُرَتْ) : أَيْ: رَأَتْ (عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : قِيلَ: يُقَالُ بَصُرَ بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ: عَلِمَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ بِمَعْنَى أَبْصَرْتُ لَا بِمَعْنَى عَلِمْتُ، لِأَنَّهُ قَالَ: فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ، وَلَمْ يُورَدْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ بَصُرَ بِمَعْنَى رَأَى فَلَعَلَّهُ عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ اهـ.

يَعْنِي: أَنَّ الْبَصَرَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ، كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْلِهِ {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا} [طه: ٩٦] أَيْ: عَلِمْتُ أَوْ رَأَيْتُ. (وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ مِثْلُ قَوْلِكَ: أَخَذْتُ بِيَدَيْ وَنَظَرْتُ بِعَيْنِي، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي أَمْرٍ يَعِزُّ الْوُصُولُ إِلَيْهِ إِظْهَارًا لِلتَّعَجُّبِ مِنْ حُصُولِ تِلْكَ الْحَالِ الْغَرِيبَةِ، وَمِنْ ثَمَّ أَوْقَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَفْعُولًا وَعَلَى جَبْهَتِهِ حَالًا مِنْهُ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: رَأَيْتُ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ الْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُصَلِّي أَنْ لَا يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ بَشَرَةِ الْجَبْهَةِ لِلْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَصَانَهَا عَنِ الطِّينِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ كَيْفَ يَصُونُهَا عَنْهُ، وَسُجُودُهَا عَلَيْهِ جُعِلَ عَلَامَةً لَهُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَهُ عَلَّامَةً لَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ صِيَانَةِ الْجَبْهَةِ بِكُورِ عِمَامَةٍ أَوْ كُمٍّ أَوْ ذَيْلٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْبَغَوِيِّ، وَإِلَّا فَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِي أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ.

قَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: وَفِيهِ أَنَّ مَا رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ قَدْ يَكُونُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ يَرَى مِثْلَهُ فِي الْيَقَظَةِ (مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ) : يَعْنِي اللَّيْلَةَ الَّتِي رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ هِيَ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، كَذَا قِيلَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ (مِنْ) . بِمَعْنَى (فِي) وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: فَبَصُرَتْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى. وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ إِلَى قَوْلِهِ: فَقِيلَ لِي: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْبَاقِي لِلْبُخَارِيِّ) : أَيْ: لَفْظًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>