٢٠٩٦ - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي كُبْكُبَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُصَلُّونَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ قَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدِهِمْ - يَعْنِي يَوْمَ فِطْرِهِمْ - بَاهَى بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ، فَقَالَ: يَا مَلَائِكَتِي مَا جَزَاءُ أَجِيرٍ وَفَّى عَمَلَهُ؟ قَالُوا: رَبَّنَا جَزَاؤُهُ أَنْ يُوَفَّى أَجْرَهُ، قَالَ: مَلَائِكَتِي، عَبِيدِي وَإِمَائِي قَضَوْا فَرِيضَتِي عَلَيْهِمْ ثُمَّ خَرَجُوا يَعُجُّونَ إِلَى الدُّعَاءِ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكَرَمِي وَعُلُوِّي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَأُجِيبَنَّهُمْ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَبَدَّلْتُ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ "، قَالَ: " فَيَرْجِعُونَ مَغْفُورًا لَهُمْ» " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.
ــ
٢٠٩٦ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ نَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُبْكُبَةٍ ") بِضَمَّتَيْنِ، وَقِيلَ: بِفَتْحَتَيْنِ جَمَاعَةٌ مُتَضَامَّةٌ مِنَ النَّاسِ، وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ " مِنَ الْمَلَائِكَةِ " فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر: ٤] وَإِيمَاءٌ إِلَى تَفْسِيرِ الرُّوحِ بِجِبْرِيلَ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ الْمُشْعِرِ بِتَعْظِيمِهِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ تَقْدِيمِهِ فِي الْحَدِيثِ وَتَأْخِيرِهِ فِي الْآيَةِ " يُصَلُّونَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ "، أَيْ يَدْعُونَ لِكُلِّ عَبْدٍ بِالْمَغْفِرَةِ، أَوْ يُثْنُونَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ بِالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ " قَائِمٍ " كَمُصَلٍّ وَطَائِفٍ وَغَيْرِهِمَا " أَوْ قَاعِدٍ يَذْكُرُ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - " صِفَةً لِكُلٍّ " فَإِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدِهِمْ "، أَيْ وَقْتَ اجْتِمَاعِ أَسْيَادِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ " يَعْنِي يَوْمَ فِطْرِهِمْ " احْتِرَازًا مِنْ عِيدِ الْأَضْحَى " بَاهَى "، أَيِ اللَّهُ - تَعَالَى - " بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ " فِي النِّهَايَةِ: الْمُبَاهَاةُ الْمُفَاخَرَةُ، وَالسَّبَبُ فِيهَا اخْتِصَاصُ الْإِنْسَانِ بِهَذِهِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ الصَّوْمُ وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَإِحْيَاؤُهُ بِالذِّكْرِ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ غِبْطَةُ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْمُبَاهَاةَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ طَعَنُوا فِي بَنِي آدَمَ فَيَكُونُ بَيَانًا لِإِظْهَارِ قُدْرَتِهِ وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ " فَقَالَ: يَا مَلَائِكَتِي " إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ " مَا جَزَاءُ أَجِيرٍ وَفَّى " بِالتَّشْدِيدِ وَتُخَفَّفُ " عَمَلَهُ، قَالُوا: رَبَّنَا " بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ (جَزَاؤُهُ أَنْ يُوَفَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا (أَجْرَهُ) ، أَيْ أَجْرَ عَمَلِهِ بِالنَّصْبِ، وَقِيلَ: بِالرَّفْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ: تُوَفِّي بِالْخِطَابِ " قَالَ: مَلَائِكَتِي " بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ " عَبِيدِي وَإِمَائِي " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَمَةٍ بِمَعْنَى الْجَارِيَةِ " قَضَوْا "، أَيْ أَدَّوْا " فَرِيضَتِي "، أَيِ الْمُخْتَصَّةَ الْمَخْصُوصَةَ بِي وَهِيَ الصَّوْمُ الشَّاقُّ " عَلَيْهِمْ ثُمَّ خَرَجُوا "، أَيْ مِنْ بُيُوتِهِمْ إِلَى مُصَلَّى عِيدِهِمْ " يَعُجُّوُنَ " بِضَمِّ الْعَيْنِ وَيُكْسَرُ، وَبِالْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ " إِلَى الدُّعَاءِ " أَوْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ مُتَوَجِّهِينَ أَوْ مُنْتَهِينَ إِلَى الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِهِمْ " وَعِزَّتِي "، أَيْ ذَاتًا " وَجَلَالِي " صِفَةً " وَكَرَمِي " فِعْلًا " وَعُلُوِّي " فِي الْجَمِيعِ " وَارْتِفَاعِ مَكَانِي "، أَيْ مَكَانَتِي وَرُتْبَتِي مِنْ قُدْرَتِي وَإِرَادَتِي عَنْ شَوَائِبِ النُّقْصَانِ وَحَوَادِثِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَهُوَ تَسْبِيحٌ بَعْدَ تَحْمِيدٍ، وَتَقْدِيسٌ بَعْدَ تَمْجِيدٍ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ارْتِفَاعُ الْمَكَانِ كِنَايَةٌ عَنْ عَظَمَةِ شَأْنِهِ، وَعُلُوِّ سُلْطَانِهِ، وَإِلَّا فَاللَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَكَانِ، وَمَا يُنْسَبُ مِنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ اهـ فَجَعَلَهُ عَطْفًا تَفْسِيرِيًّا، وَأَنْتَ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ مَا أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ أَقْرَبُ إِلَى التَّسْدِيدِ فَإِنَّ التَّأْسِيسَ أَنْسَبُ مِنَ الْعُلُوِّ بِالتَّأْكِيدِ " لَأُجِيبَنَّهُمْ "، أَيْ لَأَقْبَلَنَّ دَعْوَتَهُمْ " فَيَقُولُ "، أَيِ اللَّهُ - تَعَالَى - حِينَئِذٍ " ارْجِعُوا "، أَيْ مِنْ مُصَلَّاكُمْ إِلَى مَسَاكِنِكُمْ أَوْ إِلَى مَرْضَاةِ رَبِّكُمْ " فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "، أَيِ التَّقْصِيرَاتِ " وَبَدَّلْتُ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ " بِأَنْ يَكْتُبَ بَدَلَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً فِي صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُمَّ الصَّائِمِينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْغُفْرَانُ لِلْعَاصِينَ، وَالتَّبْدِيلُ لِلْمُطِيعِينَ التَّائِبِينَ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠] وَلِذَا كَانَتْ تَقُولُ رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ: تَاجُ الرِّجَالِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصُّلَحَاءِ، وَإِبْدَالُ حَسَنَاتِي أَكْثَرُ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ، إِشْعَارًا إِلَى كَثْرَةِ مَا وَقَعَ مِنْهَا مِنَ الذُّنُوبِ، قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى السُّلُوكِ وَتَتُوبَ " قَالَ "، أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَيَرْجِعُونَ، أَيْ جَمِيعُهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ " مَغْفُورًا لَهُمْ " وَفِيهِ إِشَارَةٌ جَسِيمَةٌ وَبِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ إِلَى رَجَاءِ أَنْ يَغْفِرَ مُسِيئَهُمْ وَيَقْبَلَ مُحْسِنَهُمْ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْكُلَّ مُحْتَاجٌ إِلَى مَغْفِرَتِهِ، وَمُفْتَقِرٌ إِلَى تَوْبَتِهِ وَأَوْبَتِهِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١] (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute