بَابُ الِاعْتِكَافِ
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
٢٠٩٧ - عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(بَابُ الِاعْتِكَافِ)
هُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: ١٢٥] وَقَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ - " يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ " بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، وَفِي الشَّرْعِ: الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَصِحُ الِاعْتِكَافُ سَاعَةً وَاحِدَةً، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ جَالِسٍ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ لِشُغْلٍ آخَرَ مِنْ آخِرَةٍ أَوْ دُنْيَا أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ، فَإِذَا خَرَجَ ثُمَّ دَخَلَ يُجَدِّدُ النِّيَّةَ اهـ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي اعْتِكَافِ النَّفْلِ، فَيَنْبَغِي إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْتُ الِاعْتِكَافَ مَا دُمْتُ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ الْقُدُورِيُّ: الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْحَقُّ خِلَافُ كُلٍّ مِنَ الْإِطْلَاقَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الِاعْتِكَافُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَهُوَ الْمَنْذُورُ تَنْجِيزًا، أَوْ تَعْلِيقًا، وَإِلَى سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ، أَيْ وَهُوَ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَى مُسْتَحَبٍّ وَهُوَ مَا سِوَاهُمَا.
٢٠٩٧ - (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ» ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ، وَإِلَّا كَانَتْ دَلِيلَ الْوُجُوبِ، أَوْ نَقُولُ اللَّفْظُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّرْكِ ظَاهِرًا لَكِنْ وَجَدْنَا صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدْوَةَ جَاءَ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْ تَعْتَكِفَ فَأَذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ زَيْنَبُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْغَدْوَةِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: " مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزَعُوهَا "، فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي أَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ، وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالَ» ، وَتَقَدَّمَ اعْتِكَافُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاسِطِ (ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ) ، أَيْ فِي بُيُوتِهِنَّ لِمَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ رِضَائِهِ لِفِعْلِهِنَّ، وَلِذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَعْتَكِفْنَ فِي مَكَانِهِنَّ (مِنْ بَعْدِهِ) ، أَيْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ إِحْيَاءً لِسُنَّتِهِ، وَإِبْقَاءً لِطَرِيقَتِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute