وَعِلْمٍ يُدْعَى فِي الْمَلَكُوتِ عَظِيمًا، وَالْفَرْدُ الْأَكْمَلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْأَشْبَهُ فَالْأَشْبَهُ وَأَدْنَاهُ فَقِيهُ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ خَيْرُ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ، وَقَالَ مِيرَكُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ مِنْ خَيْرِكُمْ لِوُرُودِ ذَلِكَ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ أَيْضًا، قُلْتُ: كُلُّ مَا وَرَدَ دَاخِلٌ فِي الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، كُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفِرَا، وَلَا يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَمَلَ خَارِجٌ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُورِثًا لِلْعَمَلِ فَلَيْسَ عِلْمًا فِي الشَّرِيعَةِ، إِذْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: إِلَى مَتَى الْعِلْمُ فَأَيْنَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: عِلْمُنَا عَمَلٌ، ثُمَّ الْخِطَابُ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ كَذَا قِيلَ، وَلَوْ خُصَّ بِهِمْ فَغَيْرُهُمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَالْقُرْآنُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّهِ وَبَعْضِهِ، وَيُصْبِحُ إِرَادَةَ الْمَعْنَى الثَّانِي هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ التَّعَلُّمُ وَالتَّعْلِيمُ وَلَوْ فِي آيَةٍ كَانَ خَيْرًا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَوَجْهُ خَيْرِيَّتِهِ يُعْلَمُ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَقَدْ أَدْرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى إِلَيْهِ» " وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ " «أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» " وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامَ اللَّهِ فَكَذَلِكَ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ مَنْ يَتَعَلَّمِ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمُهُ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ بِالْإِخْلَاصِ، قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتَاوَى: تَعَلُّمُ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ سَوَاءٌ فِي الْفَضْلِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاجِبِ فَالْفِقْهُ أَفْضَلُ اهـ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِسَاءَةِ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ تَعَلُّمَ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْقُرْآنِ عِلْمٌ يَقِينِيٌّ وَمِنَ الْفِقْهِ ظَنِّيٌّ، فَكَيْفَ يَكُونَانِ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَالْفِقْهُ إِنَّمَا يَكُونُ أَفَضَلَ لِكَوْنِهِ مَعْنَى الْقُرْآنِ فَلَا يُقَابَلُ بِهِ، نَعَمْ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَعْنَى الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ مَعْرِفَةِ لَفْظِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْقُرْآنِ تَعَلُّمُ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ رُكْنٌ عَلَى مَذْهَبِهِ وَبِالْفِقْهِ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الرُّكُوعِ رُكْنًا مَثَلًا فَلَا يَسْتَوِيَانِ أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute