وَاوًا وَأَصْلُ الْكَوْمِ الْعُلُوِّ، أَيْ فَيَحْصُلُ نَاقَتَيْنِ عَظِيمَتَيِ السَّنَامِ وَهِيَ مِنْ خِيَارِ مَالِ الْعَرَبِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَضُمُّ الْكَافَ لَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ، وَكَأَنَّهُ وَهْمٌ مِنْهُ لِمَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: وَنَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْمٍ هُوَ بِالْفَتْحِ الْمَوَاضِعُ الْمُشْرِفَةُ وَاحِدُهَا كَوْمَةٌ وَمِنْهُ كَوْمَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِنْ طَعَامٍ، أَيْ صَبْرَةٌ وَبَعْضُهُمْ يَضُمُّ الْكَافَ، وَقِيلَ: هُوَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا كُوِّمَ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفِعْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَنَاقَةٌ كَوْمَاءٌ مُشْرِفَةُ السَّنَامِ عَالِيَتُهُ (فِي غَيْرِ إِثْمٍ) كَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ سُمِّيَ مُوجِبُ الْإِثْمِ إِثْمًا مَجَازًا (وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ) ، أَيْ فِي غَيْرِ مَا يُوجِبُهُ وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ وَفِي لِلسَّبَبِيَّةِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ لُمْتُنَّنِي فِيهِ (فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا نُحِبُّ ذَلِكَ) بِالنُّونِ، وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ: كُلُّنَا يُحِبُّ ذَلِكَ بِالْيَاءِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي اخْتِيَارَهُمْ فَقْرَهُمْ فَإِنَّهُمْ أَرَادُوا الدُّنْيَا لِلدِّينِ لَا لِلطِّينِ وَلِيَصْرِفُوا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلِيَتَجَهَّزُوا وَيُجَهِّزُوا جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَقِّيَهُمْ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ الْعِظَامِ كَمَا قَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " يَا طَالِبَ الدُّنْيَا لِتِبْرٍ تَرْكُكَ الدُّنْيَا أَبَرُّ " وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي حِجْرِهِ دَرَاهِمُ يُقَسِّمُهَا وَآخَرُ يَذْكُرُ اللَّهَ كَانَ الذَّاكِرُ لِلَّهِ أَفْضَلَ» " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَلَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ وَالْعَالِمَ خَيْرٌ مِنَ الْعَابِدِ، وَأَمَّا مَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ لِأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَا بِهِ الْكِفَايَةُ وَلَا أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ لَا تُنَافِي الزُّهْدَ فَضْلًا عَنِ الْوَرَعِ، فَمَعَ كَوْنِ النَّاقَتَيْنِ زَائِدًا عَلَى الْكِفَايَةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا يُلَائِمُهُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ قَالَ (أَفَلَا يَغْدُو) ، أَيْ أَلَا يَتْرُكُ ذَلِكَ فَلَا يَغْدُو وَمَا أَبْعَدَ تَقْدِيرَ ابْنِ حَجَرٍ، أَيْ إِذَا كُنْتُمْ كَذَلِكَ أَفَلَا يَغْدُو (أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ) بِالتَّشْدِيدِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالتَّخْفِيفِ (أَوْ يَقْرَأُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِيهِمَا، قَالَ مِيرَكُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَرْضًا أَوْ نَفْيًا وَفِيهِ أَنَّ الْفَاءَ مَانِعَةٌ مِنْ كَوْنِهَا لِلْعَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ فَيَعْلَمَ أْو يَقْرَأَ مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ مَرْفُوعَانِ عَلَى الثَّانِي، قُلْتُ: وَيَجُوزُ نَصْبُهُمَا عَلَى الثَّالِثِ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَوَابُ النَّفْيِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَعْلَمُ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ وَصَحَّحَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ مِنَ الْعِلْمِ وَكَلِمَةُ أَوْ يَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَالتَّنْوِيعَ اهـ وَفِي الشَّرْحِ أَنَّهُ صَحَّحَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ فَيَعْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُون الْعَيْنِ، أَوْ شَكٍّ مِنَ الرَّاوِي دَفْعًا لِتَوَهُّمِ كَوْنِهِ مِنَ التَّعْلِيمِ فَيَكُونُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَعَلَى التَّنْوِيعِ قَوْلُهُ (آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانُ وَقَوْلُهُ (خَيْرٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُمَا أَوِ الْغُدُوِّ خَيْرٌ (لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلَاثٍ) ، أَيْ مِنَ الْآيَاتِ (خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ) ، أَيْ مِنَ الْإِبِلِ (وَأَرْبَعٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ) جَمْعُ عَدَدٍ (مِنَ الْإِبِلِ) بَيَانٌ لِلْأَعْدَادِ، قِيلَ: مِنْ أَعْدَادِهِنَّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ آيَاتٍ خَيْرٌ مِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ فَخَمْسُ آيَاتٍ خَيْرٌ مِنْ خَمْسِ إِبِلٍ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ آيَتَيْنِ خَيْرٌ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَمِنْ أَعْدَادِهِمَا مِنَ الْإِبِلِ، وَثَلَاثًا خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ، وَكَذَا أَرْبَعٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآيَاتِ تُفَضَّلُ عَلَى أَعْدَادِهِنَّ مِنَ النُّوقِ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُوَضِّحُهُ مَا قِيلَ: إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بُقُولِهِ وَآيَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، وَمَجْرُورِ أَعْدَادِهِنَّ عَائِدٌ إِلَى الْأَعْدَادِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا، وَمِنِ الْإِبِلِ بَدَلٌ مِنْ أَعْدَادِهِنَّ أَوْ بَيَانٌ لَهُ يَعْنِي آيَتَانِ خَيْرٌ مِنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الْإِبِلِ وَكَذَلِكَ ثَلَاثًا وَأَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْهُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ تَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ نَفْعًا عَظِيمًا بِخِلَافِ الْإِبِلِ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ تَرْغِيبَهُمْ فِي الْبَاقِيَاتِ وَتَزْهِيدَهُمْ عَنِ الْفَانِيَاتِ فَذِكْرُهُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّقْرِيبِ إِلَى فَهْمِ الْعَلِيلِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّنْيَا أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِمَعْرِفَةِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِثَوَابِهَا مِنَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُ هَذَا لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيِّ - قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السِّرِّيَّ؛ حَيْثُ الْتَمَسَ مِنْهُ أَصْحَابُهُ مِنَ التُّجَّارِ نُزُولَهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَنْدَرِ جُدَّةَ أَيْامَ إِتْيَانِ الْغُرَبَاءِ مِنْ سَفَرِ الْبِحَارِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ حُصُولَ بَرَكَةِ نُزُولِهِ إِلَى تِجَارَتِهِمْ وَمُكَمِّنِينَ بِأَنْ يَحْصُلَ لِخَدَمِ الشَّيْخِ بَعْضُ مَنَافِعِ بِضَاعَتِهِمْ فَأَبَى وَأَتَى بِأَعْذَارٍ سَاتِرَةٍ لِلْأَسْرَارِ، فَمَا فَهِمُوا وَأَلَحُّوا وَبَالَغُوا فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْإِصْرَارِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: مَا مِقْدَارُ مَائِدَةِ رِبْحِكُمْ فِي هَذَا السَّفَرِ؟ وَكَمْ أَكْثَرُ مَا يَحْصُلُ لَكُمْ فِيهِ مِنَ النَّتِيجَةِ وَالْأَثَرِ؟ فَقَالُوا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَتَفَاوُتِ الْأَمْوَالِ، وَأَكْثَرُ الرِّبْحِ أَنْ يَصِيرَ الدِّرْهَمُ دِرْهَمَيْنِ وَيَكُونَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ، فَتَبَسَّمَ الشَّيْخُ وَقَالَ: إِنَّكُمْ تَتْعَبُونَ هَذَا التَّعَبَ الشَّدِيدَ لِهَذَا الرِّبْحِ الزَّهِيدِ، فَنَحْنُ كَيْفَ نَتْرُكُ مُضَاعَفَةَ الْحَسَنَاتِ بِالْحَرَامِ وَهِيَ حَسَنَةٌ بِمِائَةِ أَلْفٍ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ وَكُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا عَنِ الْمَنَامِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute