للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْجَسَدِ» ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: ٧] أَيْ: عَظِيمًا مُؤَكَّدًا يَسْأَلُ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْمِيثَاقَ الْخَاصَّ هُوَ الْعَهْدُ بِالصِّدْقِ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مِيثَاقَ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُظَاهَرَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالْإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْمُعَاوَنَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: ٨١] أَيْ: عَهْدِي {قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: ٨١] وَهَذَا الْمِيثَاقُ الْخَاصُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَامِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ تَعْظِيمًا لَهُمْ، وَتَكْرِيمًا، وَلِذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «كُنْتُ نَبِيًّا، وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ، وَالْجَسَدِ» ) . . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (كَانَ) أَيْ: عِيسَى (فِي تِلْكَ الْأَرْوَاحِ، فَأَرْسَلَهُ) أَيْ: رُوحَهُ، وَهُوَ يُذَكَّرُ، وَيُؤَنَّثُ يَعْنِي مَعَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (إِلَى مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) : بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ هُوَ الصَّحِيحُ (فَحُدِّثَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: رُوِيَ (عَنْ أُبَيٍّ أَنَّهُ دَخَلَ) أَيِ: الرُّوحُ إِلَى جَوْفِهَا، ثُمَّ رَحِمِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرُّوحَ بِتَأْوِيلِ الْمَنْفُوخِ، أَوْ عِيسَى كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي " الْقَامُوسِ " الرُّوحُ بِالضَّمِّ مَا بِهِ حَيَاةُ الْأَنْفُسِ، وَيُؤَنَّثُ اهـ.

فَجُعِلَ التَّذْكِيرُ أَصْلًا كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي اللَّفْظِ. (مِنْ فِيهَا) أَيْ: مِنْ فَمِهَا كَذَا قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ} [التحريم: ١٢] أَيْ: فِي فِيهَا، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (فِيهَا) أَيْ: فِي مَرْيَمَ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ فِي فَمِهَا، أَوْ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِفَرْضِ ثُبُوتِهَا بِأَنَّ بَعْضَ تِلْكَ النَّفْخَةِ دَخَلَتْ مِنْ جَيْبِهَا، وَبَعْضَهَا مِنْ فَمِهَا، وَتَخْصِيصُ عِيسَى، وَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: دَخَلَ مِنْ فِيهَا تَسْجِيلٌ عَلَى النَّصَارَى بِرَكَاكَةِ عُقُولِهِمْ أَيْ: كَيْفَ يُتَّخَذُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ هَذَا حَالُهُ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: ٧٥] قِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ: يَبُولَانِ، وَيَغُوطَانِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>