للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢١١٨ - «وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] ؟ ". ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ؟ " فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٢١١٨ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ بْنِ الْمُعَلَّى) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ (قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَقِصَّتُهُ أَنَّهُ قَالَ: مَرَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، فَجَلَسْتُ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤] " فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: تَعَالَ حَتَّى نَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمِنْبَرِ فَنَكُونُ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى فَكُنْتُ أُصَلِّي (فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أُجِبْهُ) ، أَيْ حَتَّى صَلَّيْتُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ) أَيِ اعْتِذَارًا (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي: قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ " {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] ") وَحَّدَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ دَعْوَةَ اللَّهِ تُسْمَعُ مِنَ الرَّسُولِ، قَالَ صَاحِبُ الْمَدَارِكِ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِجَابَةِ الطَّاعَةُ وَالِامْتِثَالُ وَبِالدَّعْوَةِ الْبَعْثُ وَالتَّحْرِيضُ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - " لِمَا يُحْيِيكُمْ "، أَيْ مِنْ عُلُومِ الدِّيَانَاتِ وَالشَّرَائِعِ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةٌ كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ مَوْتٌ، قَالَ: لَا تُعْجَبْنَ الْجَهُولَ حُلَّتَهُ فَذَاكَ مَيِّتٌ وَثَوْبُهُ كَفَنٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ إِجَابَةَ الرَّسُولِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَمَا أَنَّ خِطَابَهُ بِقَوْلِكَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ لَا يُبْطِلُهَا اهـ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: هَذَا لِأَنَّ إِجَابَتَهُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ أَيْضًا إِجَابَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ دُعَاءَهُ كَانَ لِأَمْرٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ وَلِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ بِمِثْلِهِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ اهـ وَالْأَظْهَرُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الْآيَةِ أَيْضًا، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ وَلِأَصْلِ الْبُطْلَانِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ) ، أَيْ أَفْضَلَ، وَقِيلَ: أَكْثَرُ أَجْرًا وَمَآلُهُ إِلَى الْأَوَّلِ (فِي الْقُرْآنِ) قِيلَ: السُّورَةُ مَنْزِلَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ وَمِنْهَا سُوَرُ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ مَقْطُوعَةٍ عَنِ الْأُخْرَى، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَهِيَ الطَّائِفَةُ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُتَرْجَمَةُ الَّتِي أَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ وَبَسَطَ فِي اشْتِقَاقِهَا وَفِي بَيَانِ الْحِكْمَةِ لِوَضْعِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ أَعْظَمَ سُورَةٍ اعْتِبَارًا بِعَظِيمِ قَدْرِهَا وَتَفَرُّدِهَا بِالْخَاصِّيَّةِ الَّتِي لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنَ السُّوَرِ وَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى فَرَائِدَ وَمَعَانٍ كَثِيرَةٍ مَعَ وَجَازَةِ أَلْفَاظِهَا اهـ وَقَدْ قِيلَ: جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] " بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: جَمِيعُ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُهُ فِي الْفَاتِحَةِ وَجَمِيعُهَا فِي الْبَسْمَلَةِ وَجَمِيعُهَا تَحْتَ نُقْطَةِ الْبَاءِ مُنْطَوِيَةٌ وَهِيَ عَلَى كُلِّ الْحَقَائِقِ وَالدَّقَائِقِ مُحْتَوِيَةٌ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى نُقْطَةِ التَّوْحِيدِ الَّذِي عَلَيْهَا مَدَارُ سُلُوكِ أَهْلِ التَّفْرِيدِ، وَقِيلَ: جَمِيعُهَا تَحْتَ الْبَاءِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ الْعُلُومِ وُصُولُ الْعَبْدِ إِلَى الرَّبِّ وَهَذِهِ الْبَاءُ بَاءُ الْإِلْصَاقِ فَهِيَ تُلْصِقُ الْعَبْدَ بِجَنَابِ الرَّبِّ وَذَلِكَ كَمَالُ الْمَقْصُودِ، ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَابْنُ النَّقِيبِ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا وَأَخْرَجَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شِئْتُ أُوقِرُ سَبْعِينَ بَعِيرًا مِنْ تَفْسِيرِ أُمِّ الْقُرْآنِ لَفَعَلْتُ (قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ) ، أَيْ أَنْتَ (مِنَ الْمَسْجِدِ) قِيلَ: لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا ابْتِدَاءً لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لِتَفْرِيغِ ذِهْنِهِ وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهَا بِكُلِّيَّتِهِ (فَأَخَذَ بِيَدِي) عَلَى صِيغَةِ الْإِفْرَادِ (فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ) سُمِّيَتْ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ أَعْظَمُ سُورَةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآنِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَالتَّعَبُّدِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَذِكْرِ الْوَعْدِ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرُ رَحْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَبْلَغِ الْأَشْمَلِ، وَذِكْرِ الْوَعِيدِ لِدَلَالَةِ يَوْمِ الدِّينِ، أَيِ الْجَزَاءُ، وَلِإِشَارَةِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ عَلَيْهِ وَذِكْرِ تَفَرُّدِهِ بِالْمُلْكِ وَعِبَادَةِ عِبَادِهِ إِيَّاهُ وَاسْتِعَانَتِهِمْ بِولَاهُ وَسُؤَالِهِمْ مِنْهُ وَذِكْرِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ وَمَقَامَاتِ السَّالِكِينَ، وَلَا سُورَةَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ أَعْظَمُ كَيْفِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَعْظَمُ مِنْهَا كَمِّيَّةً (قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، أَيْ هِيَ سُورَةُ الْحَمْدُ للَّهِ (رَبِّ الْعَالَمِينَ) إِلَخْ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى كَوْنِ الْبَسْمَلَةِ مِنْهَا أَمْ لَا (هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي) قِيلَ: اللَّامُ لِلْعَهْدِ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] الْآيَةَ وَسُمِّيَتِ السَّبْعَ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنِ الْكُوفِيِّ وَالْبَصْرِيِّ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ فِيهَا سَبْعُ آدَابٍ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خَلَتْ عَنْ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ الثَّاءِ وَالْجِيمِ وَالتَّاءِ وَالزَّايِ وَالشِّينِ وَالظَّاءِ وَالْفَاءِ، وَرَدَ بِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُسَمَّى بِمَا فِيهِ دُونَ مَا فُقِدَ مِنْهُ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>